Translate

الثلاثاء، 13 مارس 2012

التصلب العصيدي (التصلب الشرياني): النظرة الجديدة


التصلب العصيدي (التصلب الشرياني): النظرة الجديدة(*)
يسبب ألما في الصدر وهجمة قلبية وسكتة دماغية(1)، ويؤدي إلى
وفيات سنوية يزيد عددها على ما يسببه السرطان. ويتكشف الآن
خطأ المفهوم الذي ساد طويلا عن كيفية تطور هذا المرض.
<P.لبِي>
 
إلى ما قبل خمس سنوات، كان معظم الأطباء يؤكدون بكل ثقة أن التصلب العصيدي (التصلب الشرياني) atherosclerosis، لا يعدو أن يكون مشكلة «أشغال صحية»(2)؛ إذ تتراكم الشحوم تدريجيا على السطوح الداخلية لجُدُر الشرايين. فإذا ما تنامى الترسب (اللويحة plaque) إلى درجة كبيرة، أفضى في النهاية إلى انسداد «الأنبوب» المصاب، مؤديا إلى منع الدم من الوصول إلى النسيج المبتغى. وبعد حين، يموت النسيج الذي يعاني نقصا شديدا في الدم. وعندما يموت جزء من العضلة القلبية أو من الدماغ، تحدث هجمة قلبية أو سكتة دماغية.
 
قلة هم الذين مازالوا يعتقدون بهذا التفسير المنمق. لقد بينت الاستقصاءات التي بدأ إجراؤها منذ أكثر من20 عاما أن الشرايين ذات شَبَه ضئيل بالأنابيب غير الحية. فهي تحوي خلايا حية على اتصال مستمر بعضها ببعض وببيئتها. وتسهم هذه الخلايا في ظهور ونماء ترسبات التصلب العصيدي التي تنشأ ضمن جدر الأوعية وليس عليها. وفضلا على ذلك، إن ترسبات قليلة نسبيا هي التي تتسع إلى درجة كبيرة بحيث تؤدي إلى تضيق مجرى الدم تضيقا شديدا. ولكن غالبية الهجمات القلبية والكثير من السكتات الدماغية تنشأ عن اللويحات الأقل إعاقة، والتي تتمزق فجاءة مطلقة جلطة دموية أو خثرة تعيق جريان الدم.
 
وإضافة إلى ذلك، أسند البحث العلمي دورا أساسيا إلى الالتهاب في حدوث التصلب العصيدي. إن هذه السيرورة ـ وهي نفسها التي تسبب احمرار الجروح المصابة بالعدوى (الخمج) infection وسخونتها وألمها ـ هي التي تشكل أساس أطوار الخلل كلها، بدءا من تكون اللويحات وحتى نموها وتمزقها. وحينما تهدد الميكروبات الغازِية بإيذائنا، فإن الالتهاب (ويعني حرفيا «الاشتعال») يساعد على تفادي العدوى ودفع ضررها. أما في حالة التصلب العصيدي، فقد برهن الالتهاب أنه ضار. وبتعبير آخر، تقوم أجهزة دفاعنا الخاصة بقصفنا بنيران صديقة(3)؛ الأمر الذي يحدث تماما في حالات التهابية أكثر شهرة، كالتهاب المفاصل الرثياني rheumatoid arthritis.
 
ويوحي هذا المفهوم المعدَّل بفكرة جديدة لكشف التصلب العصيدي ومعالجته. كما أنه يحل بعض مكامن الغموض المزعجة، وعلى الأخص: لماذا تحدث هجمات قلبية عديدة بدون سابق إنذار؟ ولماذا تخفق بعض أشكال المداواة الموجهة لتفادي هذه الهجمات في أحيان كثيرة؟ إن المجتمع بحاجة ماسة إلى التقدم في مجالات الوقاية من التصلب العصيدي وكشفه ومعالجته. وخلافا لما هو سائد من مفاهيم، فالهجمات القلبية والسكتات الناجمة عن التصلب العصيدي تفوق السرطان كسبب للوفيات في البلدان الصناعية، وهي في طريقها نحو الانتشار المتزايد في الأقطار النامية أيضا.
 
إثارة الاضطراب(**)
إن نقص الوسائل اللازمة لوصف التآثرات بين الخلايا والجزيئات جعل أوائل من عرّفوا معنى الالتهاب يركّزون على ما أمكنهم رؤيته والشعور به. أما اليوم، فنحن نعرف أن الإشارات الخارجية تعكس صراعا ضاريا يدور في ساحة حرب مجهرية. فبعد استشعار بدء هجوم ميكروبي (على نحو صحيح أو مغلوط)، تتجمع خلايا دم بيض معينة ـ وهي محاربو الخطوط الأولى في جبهة الجهاز المناعي ـ في النسيج الذي يبدو مهددا. وهنالك تفرز تلك الخلايا صفيفا من المواد الكيميائية الموجهة للحد من أي عدوى. وتتضمن هذه المواد المؤكسداتِ oxidants (القادرة على إيذاء الغزاة) والجزيئات التي تبلّغ الإشارات، كالپروتينات الصغيرة التي تدعى السيتوكينات cytokines، التي تنسّق بين نشاطات الخلايا الدفاعية. ولهذا يوثق الباحثون الاستجابة الالتهابية بوساطة تعيين الخلايا الالتهابية أو وسائط mediators نشاطاتها في نسيج ما.
 
وتأتي الصورة الأوضح عن دور الالتهاب في حدوث التصلب العصيدي من استقصاءات الپروتين الشحمي الخفيض الكثافة (LDL 4)(4)، وهو ما يعرف أيضا بالكوليسترول السيئ. تقوم جسيمات LDL المؤلفة من جزيئات دهنية (شحميات) وپروتين، بنقل الكولستيرول (وهو مادة شحمية أخرى) من مصدرها في الكبد والمعى إلى أعضاء أخرى. وقد عَرَف العلماء منذ زمن بعيد أن الجسم بحاجة إلى الـ LDL والكولستيرول. وعلى الرغم من ذلك، فإن فرط مقاديرهما يعزز حدوث التصلب العصيدي. ولكن لم يستطع أحد، حتى وقت قريب، أن يشرح كيف تؤدي زيادة مقاديرهما إلى تشكل اللويحات.
 
حاليا، تشير التجارب التي تُجرى على الخلايا المستنبتة وعلى الحيوانات أن المشكلة تبدأ حينما تقوم الپروتينات الشحمية الخفيضة الكثافة الموجودة في الدم بالتجمع في باطنة الشريان intima، أي جزء الجدار الشرياني الأقرب إلى مجرى الدم [انظر الشكل في الصفحتين 50 و 51]. فحينما تكون تركيزات LDLs في الدم معقولة، يغدو بإمكانها المرور إلى داخل باطنة الشريان والخروج منها. وتتألف هذه الباطنة بشكل أساسي من الخلايا البطانية endothelial cells التي تبطن جدر الأوعية، ومن المَطْرِق خارج الخلوي extracellular matrix أسفل منها (نسيج ضام)، ومن عدد قليل متناثر من خلايا عضل أملس (مولّدات المَطْرِق). بيد أن فرط LDLs يجعلها تميل إلى الالتصاق بالمطرق.
 
وفيما تتراكم LDLs، تتعرض شحومها للأكسدة (وهي سيرورة شبيهة بما يؤدي إلى صدأ الأنابيب وفساد الزبدة)، كما تتعرض پروتيناتها لكل من الأكسدة والارتباط بأنواع السكر glycation. ويبدو أن الخلايا في جدار الوعاء تَعدُّ التغيرات علامة خطر، فتستدعي الإمدادات من منظومة الدفاع في الجسم.
 
وتنشر الخلايا البطانية على وجه الخصوص جزيئات التصاق adhesion molecules على سطحها المواجه للدم. وتتثبت هذه الجزيئات كالشريط اللاصق velcro على خلايا التهابية هامدة تعرف بالوَحِيْدات monocytes، تجول في الدم عادة. وتسبب هذه التآثرات انفلات الخلايا من الدوران الدموي وتدحرجها وتعلقها بجدار الشريان. كما تحرض LDLs المعدلةُ الخلايا البطانيةَ وخلايا العضل الأملس لباطنة الشريان على إفراز مواد كيميائية تدعى الكيموكينات chemokines، تجتذب الوحيدات. وكما تتعقب كلاب الصيد رائحة طريدتها، تنحشر الوحيدات بين الخلايا البطانية وتتبع الأثر الكيميائي حتى باطنة الشريان.
 
إن الكيموكينات ومواد أخرى تفرزها الخلايا البطانية وخلايا العضل الأملس تتولى بعدئذ أمر حث الوحيدات على التضاعف والنضوج حتى تصبح بلاعم macrophages نشيطة: محاربات مدججة بالسلاح، جاهزة لإشهار أسلحتها ضد أعداء البدن. وتشرع هذه المحاربات أيضا بتنظيف الجدار الوعائي مما تصادفه من غزاة. واستجابة للپروتينات التي تطلقها الخلايا البطانية المستثارة وخلايا العضل الأملس في باطنة الشريان، تزين البلاعم سطوحها بجزيئات تدعى المستقبلات الكاسحة (القمّامة) scavenger receptors. وهذه تأسر جسيمات LDL المحورة وتساعد البلاعم على التهامها. ويؤدي هذا إلى أن تصبح البلاعم في نهاية المطاف محمّلة بقطيرات دسمة تأخذ منظرا رغويا حين مشاهدتها تحت المجهر. وفي الواقع، فإن اختصاصيي المَرَضيات pathologists يطلقون على هذه البلاعم المتخمة بالدسم اسم الخلايا الرغوية.
 
وكما تتبع الوحيدات جزيئات الالتصاق والكيموكينات إلى باطنة الشريان، فهذا ما تفعله تماما اللمفاويات التائية، وهي خلايا الدم البيض التي تمثل فرعا مختلفا من الجهاز المناعي. وتطلق هذه اللمفاويات أيضا سيتوكينات تضخم النشاطات الالتهابية في جدر الشرايين. وتؤلف البلاعم الرغوية وعدد أقل من اللمفاويات التائية ما يسمى الشريط الدهني fatty streak، الذي هو طليعة اللويحات المعقدة التي تشوه الأوعية فيما بعد. ومما يدعو إلى القلق أن الكثير من الأمريكيين لديهم لويحات نشأت عندهم منذ سن المراهقة.
 
يمكن للتصلب العصيدي في شريان يغذي القلب أن يهيئ لحدوث هجمة قلبية.
 
تزويد اللويحات بالغذاء اللازم لنموها(***)
حينما تنجح استجابة التهابية في ركبة مكشوطة، مثلا، في إيقاف العدوى، تطلق البلاعم جزيئات تسهل الالتئام. وترافق سيرورة «التئام» أيضا النوعَ الالتهابي الأكثر إزمانا والأدنى مستوى، الذي يعمل في حالة التصلب العصيدي. ومع هذا، فعوضا عن إعادة الجُدُر الشريانية إلى حالتها الأصلية، تنحرف هذه السيرورة فتغير صفة الجدار ، مؤدية في النهاية إلى توليد لويحة أضخم وأكثر تعقيدا.
 
في السنوات الأخيرة عرف البيولوجيون أن البلاعم والخلايا البطانية وخلايا العضل الأملس في باطنة الشريان الملتهبة تفرز عوامل factors تحث خلايا العضل الأملس في الطبقة المتوسطة (أي النسيج تحت باطنة الشريان) على الهجرة إلى أعلى باطنة الشريان والتضاعف واصطناع مكونات المطرق خارج الخلوي. وتلتحم الخلايا وجزيئات المطرق مشكلة غطاء cap ليفيا يعلو منطقة التصلب العصيدي الأصلية. وفيما ينضج هذا الغطاء تتغير عموما المنطقة الواقعة تحته إلى حد ما. ويتمثل أوضح هذه التغيرات في أن جزءا من الخلايا الرغوية يموت مطلقا شحوما. ولهذا السبب يشير اختصاصيو المَرَضيات إلى المنطقة تحت الغطاء بأنها اللب الشحمي أو النخري.
 
ومما يدعو إلى الدهشة أن لويحات التصلب العصيدي تمتد نحو الخارج خلال تطورها، أكثر من امتدادها نحو مجرى الشريان الناقل للدم. ويحفظ هذا النمط جريان الدم زمنا قد يمتد عقودا في الغالب. وحينما تندفع اللويحات نحو الداخل، فإنها تقيّد مجرى الدم ـ وهي حالة تدعى تضيقًا stenusis. وبإمكان التضيق أن يعيق إيصال الدم إلى النسج، ولا سيما في أوقات الحاجة الماسّة التي تتطلب تمدد الشرايين. وكمثال على ذلك، حينما يمارس شخص ما الرياضة أو يتعرض لكرب stress، فإن جريان الدم في شريان قلبي متضرر قد يخفق في تلبية الحاجة إلى الطلب المتزايد، مما يسبب ذبحة صدرية angina pectoris، تتمثل في شعور بالضيق وانعصار أو انضغاط تحت عظم القص في الصدر. ويمكن للتضيق في شرايين أخرى أن يفضي إلى مَعَص cramp، وهو شعور مؤلم في الرَّبْلَتَيْن أو الأليتين خلال الإجهاد؛ وتعرف هذه الأعراض بالعرج المتقطع intermittent claudication.
 
أسباب الأزمات(****)
تنمو اللويحة أحيانا إلى درجة ضخمة تُعطِّل فيها بالفعل جريان الدم في أحد الشرايين وتولّد هجمة قلبية أو سكتة. إلا أن نحو %15 فقط من الهجمات القلبية هي التي تحدث وفق هذه الطريقة. وقد أوضح اختصاصيو المرضيات، من خلال الفحص الدقيق لجدر أوعية أفراد ماتوا بسبب الهجمات القلبية، أن غالبية الهجمات تحدث بعد تمزق الغطاء الليفي للويحة؛ مما يحض على تشكل جلطة فوق الثَّلَم. إن اللويحات الأكثر احتمالا للتمزق هي تلك التي تمتلك غطاء رقيقا وجميعة pool شحمية ضخمة وبلاعم كثيرة. ويعزى ضعف مَنَعة تلك اللويحات إلى حدوث الالتهابات، شأنها شأن المراحل المبكرة من التصلب العصيدي.
 
لم يكن أمام العلماء الأقدمين الذين عرّفوا الالتهاب أول مرة سوى
أن يركزوا على ما استطاعوا رؤيته والشعور به. أما اليوم فنحن نعرف
أن العلامات الخارجية تعكس صراعا عنيفا ناشبا في ساحة حرب مجهرية.
ويعتمد تماسك الغطاء الليفي اعتمادا كبيرا على ألياف الكلاجين collagen القوية كالفولاذ التي تصنعها خلايا العضل الأملس. وحينما يتوافر سبب ما لتفجر الالتهاب في لويحة هادئة نسبيا، فبإمكان وسائط السيرورة أن تعرّض الغطاء للخطر بطريقتين على الأقل. لقد بيّن العاملون في مختبري أن باستطاعة هذه الوسائط الالتهابية أن تنبه البلاعم كي تفرز إنزيمات تقوض degrade الكلاجين، وأن تمنع خلايا العضل الأملس من إبراز الكلاجين الطازج المطلوب لإصلاح الغطاء والحفاظ عليه.
 
تتشكل الجلطات حينما يتسرب الدم من شق في الغطاء ويواجه لبا شحميا يعج بالپروتينات القادرة على تسهيل تخثر الدم. وعلى سبيل المثال، إن الجزيئات الواقعة على الخلايا التائية في اللويحات تحث الخلايا الرغوية على صنع تراكيز عالية من عامل نسيجي tissue factor، وهو محرض قوي للجلطات. ويحوي الدم الجائل في حد ذاته طلائع الپروتينات التي تشارك في شلال التفاعلات المسؤولة عن تشكل الجلطة. وتهبّ طلائع التجلط إلى العمل حينما يواجه الدم العامل النسيجي ومعززات promoters تخثر أخرى في لب اللويحة. وتُنتج أبداننا مواد يمكنها منع الجلطة من التشكل، أو تقويضها قبل أن تسبب هجمة قلبية أو سكتة. غير أن اللويحات الملتهبة تطلق مواد كيميائية تعيق الآلية الفطرية التي تقضي على الجلطة.
 
التصلّب العصيدي/ نظرة إجمالية(*****) 
يوافق العلماء الآن على أن الالتهاب يغذي نشوء التصلب العصيدي وتفاقمه: إنه التراكم الخطر للترسبات المحمّلة بالشحوم ـ أي اللويحات ـ في الشرايين. ولم تعد النظرة القديمة التي ترى أن السبب هو مجرد تراكم الدهون على الجُدُر الداخلية للشرايين مقبولة اليوم.
بوسع الالتهاب أن يسبب تمزق بعض اللويحات أيضا. وتميل جلطات الدم إلى أن تتشكل فوق اللويحات المتمزقة وأن تسد الشرايين، مؤدية إلى مضاعفات التصلب العصيدي كالهجمة القلبية والسكتة الدماغية.
يستطيع فرط الپروتين الشحمي الخفيض الكثافة (LDL)، أي «الكولستيرول السيئ»، في الدم أن يثير الالتهاب الشرياني. وبوسع المعالجات الخافضة للكولستيرول ـ وهي حجر الأساس الحالي في معالجة التصلب العصيدي ـ أن تخفض ذلك الفرط. إن الاستراتيجيات التي تتدخل في الالتهاب بطرق أخرى هي قيد الدراسة أيضا.
قد يكون فحص الدم، الذي يكشف التهابا متطورا، نافعا كمساعد لاختبارات الكولستيرول التي يستخدمها الأطباء اليوم لتقدير خطر حدوث هجمة قلبية وسكتة.
 
إذا أزيلت الجلطة بشكل طبيعي أو بمساعدة العقاقير، فإن سيرورة الالتئام قد تقوم بدورها مرة أخرى، فترمم الغطاء، وكذلك تزيد تضخم اللويحة عن طريق تشكيل نسيج ندبي scar tissue. وفي الواقع، تشير الأدلة الواضحة إلى أن اللويحات تنمو على نحو متقطع (غير منتظم)، كلما انطلقت زنادات الالتهاب أو خبت، وكلما ظهرت الجلطات أو تلاشت، تاركة ندوبا.
 
وتشرح الصورة الجديدة للتصلب العصيدي سبب ظهور هجمات قلبية كثيرة  على نحو غير متوقع؛ لأن اللويحات التي تتمزق لا تبرز بالضرورة بروزا شديدا في أوعية الدم؛ ولذا فقد لا تسبب ذبحة صدرية أو لا تبدو جلية في الصور المأخوذة لقنوات الدم. وتوضح هذه النظرة الجديدة السبب الذي قد يجعل المعالجات التي تركز على توسيع مجرى الدم في الشرايين شبه المسدودة ـ مثل رأب الوعاء بالبالون balloon angioplasty أو إدخال شبكات سلكية stents أو إجراء جراحة لوضع مجازة إكليلية bypass ـ مؤدية إلى تخفيف ألم الذبحة. ومع ذلك، يغلب أن تخفق في منع هجمة قلبية مستقبلية. وفي حالات كهذه، قد يكمن الخطر في مكان آخر، حيث تسبب اللويحة تضيقا أقل، ولكنها تكون أشد عرضة للتمزق. ومن المؤسف أنه غالبا ما يلاحظ، حين يكون التضيق هو لبّ المشكلة، أن الشرايين التي عولجت تنسد مرة أخرى وبصورة سريعة إلى حد ما. ويبدو أن هذا يعود جزئيا إلى أن المعالجات يمكنها أن تثير استجابة التهابية عنيفة.

أدوار جديدة يؤديها ممثلون معروفون(******) 
إن الأوصاف الشائعة للتصلب العصيدي تنعت الپروتين الشحمي الخفيض الكثافة (LDL) بأنه «سيئ»، والپروتين الشحمي العالي الكثافة (HDL) بأنه «جيد». ومع ذلك، تؤدي هذه الجسيمات (المبينة في مقطع يوضح أجزاءها الداخلية) دورها بطرائق أكثر تعددا مما ظن العلماء يوما ما.
تنقل الپروتينات الشحمية الكولستيرول في الجريان الدموي. إن LDLs تنقله من الكبد والمعى إلى النسج المختلفة، التي تستخدمه لترميم الأغشية أو لإنتاج الستيرويدات. أما HDLs فتحمل الكولستيرول إلى الكبد لإفراغه أو إعادة تدويره recycling. وترى النظرة التقليدية عن كيفية تطور التصلب العصيدي أن فرط LDL يعزز هذه الحالة بوساطة تراكمه على جدر الأوعية. وتظهر الدراسات الأكثر حداثة أنه يتراكم ضمن جدر الأوعية، حيث تتأكسد مكوناته وتتغير بطرائق أخرى؛ ومن ثم فإن هذه المكونات المتغيرة تحرض استجابة التهابية تغير صفات الشرايين على نحو متفاقم وخطر.
ويفسر الأطباء بشكل عام تأثيرات HDL الواقية بأنها ناتجة من إزالته الكولستيرول من الشرايين. ومما لا شك فيه أن HDL يقوم بهذا الفعل؛ إلا أن النتائج الحديثة تشير إلى أن باستطاعته أيضا أن يدحر التصلب العصيدي عن طريق تدخله في أكسدة LDL.
 
ما وراء الكولستيرول السيئ(*******)
على الرغم من أن LDL كثيرا ما يطلق سلسلة الأحداث التي ذكرتُها، فإن العلماء تعرفوا عوامل أخرى متعددة تزيد على نحو لا لبس فيه من خطورة تعرض فرد ما للتصلب العصيدي أو لمضاعفاته. ويُظهر العديد من عوامل الخطورة هذه، وعوامل أخرى لاتزال قيد الدراسة، خصائص التهابية مخادعة. وقبل أن أصف بعض تلك الملامح، يجب علي أولا أن ألفت النظر إلى أن LDL ربما يؤدي دورا في نشوء التصلب العصيدي وإدامته أكبر مما هو معروف بشكل عام.
 
وتذكر إحصائية تكررت كثيرا أن نصف عدد المرضى الذين يعانون ذبحة أو تعرضوا لهجمة قلبية ليست لديهم مستويات LDL أعلى من المعدل الوسطي. وغالبا ما جرى تفسير هذه النتيجة على أن LDL في هؤلاء الأفراد لا يمارس أي تأثير في تلك الاضطرابات التي تسبب التصلب العصيدي. ولكن مستويات LDL السائدة في المجتمع الغربي تفوق حاجات الجسم كثيرا، وبوسعها فعليا أن تحض على حدوث مرض شرياني.
 
وفي الواقع، أقدم خبراء الصحة العامة على إدخال تعديلات تدريجية على تعريف مستويات LDL «الصحية»، وذلك استجابة لبيانات حديثة تربط بين صحة القلب ومستويات الپروتين الشحمي. إن الكتيبات الإرشادية التي أصدرتها في العام2001هيئة من الخبراء بالتعاون مع المعاهد الوطنية للصحة في الولايات المتحدة تذكر بشكل صريح أن الحد الأمثل لمستويات الكولستيرول في LDL هو دون 100 ملّيگرام في كل ديسيلتر من الدم. كما طرحت الكتيبات النظر في تطبيق المعالجة الدوائية في وقت أبكر مما في السابق، والبدء بها عند بلوغ هذا الكولستيرول 130 مليگراما في الديسيلتر (بدلا من160مليگراما) لدى الأفراد المعرضين لعوامل خطورة متعددة (مضاعفة). أما في حالة البالغين المعرضين لعامل خطورة منخفض نسبيا للإصابة بمرض قلبي، فتنصح الكتيبات الإرشادية (كما من قبل) بالبدء بإجراء «تغييرات في أسلوب الحياة» ـ أي في النظام الغذائي والرياضة ـ عندما يصل الكولستيرول LDL إلى160 مليگراما في كل ديسيلتر، والنظر في إعطاء معالجة دوائية حين بلوغه 190 مليگراما.
 
ويبقى على الباحثين استكشاف الصلات بين عوامل الخطورة الأخرى والالتهاب وبين الحدة التي يوصف بها LDL، مع أنهم كشفوا النقاب عن بعض الروابط ذات الدلالة. فمثلا، يرفع الداء السكري مستويات الگلوكوز في الدم. ويستطيع هذا السكر أن يعزز ارتباط LDL بالسكر، وبالتالي يقوي تأثيراته الالتهابية. كما يسبب التدخين تشكل المؤكسدات، وقد يسرّع أكسدة مكونات LDL، وبذا يدعم الالتهابَ الشرياني حتى بين الأفراد ذوي المستويات المتوسطة من LDL. وتسهم السمنة في حدوث الداء السكري والالتهاب الوعائي. وقد لا يكون لارتفاع ضغط الدم تأثيرات التهابية مباشرة؛ ولكن يبدو أن هرمونا مسؤولا جزئيا عن حالات كثيرة من فرط الضغط ـ هو الأنجيوتنسين II ـ يحرض الالتهاب أيضا. واعتمادا على ذلك، فقد تؤدي المستويات المرتفعة من هذا الهرمون إلى نشوء فرط ضغط الدم والتصلب العصيدي في وقت واحد.
 
وعلى نقيض ذلك، يبدو الپروتين الشحمي العالي الكثافة (HDL) نافعا. ففيما تهبط مستويات هذا «الكولستيرول الجيد» ترتفع أرجحية معاناةِ هجمة قلبية. وطبقا لذلك، وللتوفيق بين تقديرات الخطورة القلبية الوعائية، لا يكتفي كثير من الأطباء بقياس مستويات LDL في الدم، بل يقيسون أيضا مستويات HDL، وكذلك نسبة LDL (أو LDL والمركبات ذات الصلة به) إلى HDL. وقد يتمكن HDL من تحقيق تأثيراته النافعة إلى حد ما عن طريق إنقاص الالتهاب؛ إذ يستطيع مع الكولستيرول أن ينقل الإنزيمات المضادة للأكسدة القادرة على تفكيك الشحوم المؤكسَدَة.
 
الأدوار المتعددة للالتهاب(********)
يحدث الالتهاب ـ الذي يعرف الآن أن له دورا أساسيا في التصلب العصيدي ـ حينما تغزو خلايا الدم البيض (وهي التي تؤلف عادة الخط الأول للدفاع ضد العدوى) نسيجا ما وتنشط فيه. وتُظهر المخططات أدناه نماء لويحة تصلب عصيدي في شريان إكليلي (تاجي)؛ إن المناظر الثلاثة الموضحة أدناه والتي أخذت عن قرب، تسلط الضوء على بعض السيرورات الالتهابية التي يمكنها أن تنشأ حينما يحمل دم فرد ما مقدارا كبيرا من LDL.
ولادة لويحة
1 - تتراكم جسيمات LDL الزائدة في جدار الشريان وتخضع لتحولات كيميائية. وبعدئذ، تقوم تلك الپروتينات الشحمية المحوَّرة بتنبيه الخلايا البطانية لتطرح جزيئات التصاق تتثبت على الوحيدات monocytes (ذات الدور الأساسي في الالتهاب) وعلى الخلايا التائية (وهي خلايا أخرى في الجهاز المناعي) في الدم. كما تفرز الخلايا البطانية «كيموكينات» تغري الخلايا التي وقعت في الشرك وتجرها إلى باطنة الشريان.
2 - تنضج الوحيدات في باطنة الشريان وتصبح بلاعم نشيطة. وتُنتج البلاعم والخلايا التائية الكثير من الوسائط الالتهابية، بما فيها السيتوكينات (المعروفة بقيامها بنقل الإشارات بين خلايا الجهاز المناعي) وعوامل تعزز انقسام الخلايا. كما تطرح البلاعم ما يسمى المستقبلات الكاسحة (القمّامة)، التي تساعد على التهام LDLs المحوَّرة.
3 - تستمتع البلاعم بالتهام LDLs وتصبح ممتلئة بقطيرات شحمية. تكوِّن هذه البلاعم، المحملة بالدهن والرغوية المظهر (والتي تدعى الخلايا الرغوية) مع الخلايا التائية، ما يسمى الشريط الدهني، وهو الشكل الأول للويحة التصلب العصيدي.
تفاقم اللويحة
4 - تستطيع الجزيئات الالتهابية أن تعزز نمو اللويحة وأن تكوّن غطاء ليفيا فوق اللب الشحمي. ويظهر الغطاء حينما تحث الجزيئات خلايا العضل الأملس في الطبقة المتوسطة على الهجرة إلى أعلى باطنة الشريان، والتضاعف وإنتاج مطرق ليفي متين يلصق الخلايا بعضها ببعض. ويزيد الغطاء من حجم اللويحة، ولكنه يسوّرها ويعزلها عن الدم بشكل آمن أيضا.
تمزق اللويحة
5 - وبعد ذلك، يمكن للمواد الالتهابية التي تفرزها الخلايا الرغوية، أن تضعف الغطاء على نحو خطر عن طريق هضم جزيئات المَطْرِق وإتلاف خلايا العضل الأملس التي تخفق حينئذ في ترميم الغطاء. وفي هذه الأثناء، قد تقوم الخلايا الرغوية بعرض عامل نسيجي tissue factor وهو معزز قوي للجلطة. فإذا تمزقت اللويحة الموهَنَة، تآثر العامل النسيجي مع العناصر المعززة للتجلط في الدم؛ مما يسبب تشكل خثرة، أيْ جلطة. وحينما تكون الجلطة كبيرة إلى درجة كافية، فإنها تعيق جريان الدم إلى القلب وتؤدي إلى هجمة قلبية، أي: موت نسيج قلبي.

 
منظر داخلي
 
إن جلطة الدم، أيْ الخثرة، (باللون الأحمر) التي أمكن الحصول عليها في هذه الصورة المجهرية، تشكلت على موقع لويحة في شريان إكليلي (تاجي) أصيب بالتصلب العصيدي، وسدّت الوعاء. وتنحل بعض الجلطات قبل أن تسبب هجمة قلبية أو سكتة، ولكنها قد تشجع حدوث مشكلات بشكل آخر عن طريق الحث على توسع اللويحة.
 
لقد أخذ البيولوجيون في الحسبان مسؤولية الالتهاب المألوفة في الجسم ـ وهي إحصار عوامل العدوى وإقصاؤها ـ وتساءلوا بحس فطري عما إذا كانت العداوى الشريانية قادرة على الإسهام في الالتهاب الذي يصيب الشرايين. وتشير الدراسات الحديثة إلى أن التصلب العصيدي قد يظهر في غياب العدوى. ومع ذلك، تشير الأدلة العَرَضية إلى أن بإمكان بعض الأحياء الدقيقة ـ كالڤيروسات الحلئية herpesviruses أو بكتيرة المتدثرة الرئوية Chlamydia pneumonia (وهي سبب شائع للعداوى التنفسية) ـ أن تحث أو تُفاقم التصلب العصيدي أحيانا. وعلى سبيل المثال، تظهر المتدثرة الرئوية في العديد من لويحات التصلب العصيدي، وبوسع مكوناتها إثارة الاستجابات الالتهابية بوساطة البلاعم والخلايا البطانية الوعائية وخلايا العضل الأملس.
 
وقد تؤدي العداوى عملها من بعيد أيضا، بالشكل الذي أسميه تأثير الصدى echo effect. فحينما يحارب الجسم العداوى، قد تهرب الوسائط الالتهابية إلى الدم وتصل إلى مواقع نائية. ومن الناحية النظرية، تستطيع هذه المواد أن تنبه الخلايا البيض في لويحات التصلب العصيدي، معززة بذلك نماء اللويحات أو تمزقها. ولاتزال قيد الإجراء التجاربُ السريرية الرامية إلى معرفة قدرة الدورات courses المحدودة من العلاج بالمضادات (الصادات) الحيوية على منع رجعة الهجمات القلبية. ومع ذلك، أظهرت تجربة أجريت مؤخرا أن المضادات الحيوية لا تمنع تكرر الهجمات القلبية بين من يبقون أحياء.
 
إنقاص الخطر(*********)
يقتضي الدور الأساسي للالتهاب في التصلب العصيدي القول إن الأدوية المضادة للالتهاب قد تبطئ ظهور هذا المرض، وإن بعضها (بما في ذلك الأسپرين) هو قيد الاستخدام أو الدراسة. غير أن المنطق والاستقصاءات التي تمت حتى الآن تبرز الحاجة إلى البحث في جوانب أخرى أيضا.
 
ينتمي الأسپرين إلى طائفة العقاقير التي تدعى مضادات الالتهاب غير الستيرويدية (NSAIDs)(5)، وهي زمرة تضم أيضا موقفات ألم شائعة كالإيبوپروفين ibuprofen والناپروكسين naproxen. والأسپرين، كغيره من مضادات الالتهاب غير الستيرويدية، قادر على إحصار تشكُّل بعض وسائط الالتهاب الشحمية، بما فيها الپروستاگلاندينات prostaglandins، التي تولّد الألم والحمى. وتشير البيانات الموثوقة المستمدة من تجارب سريرية أُحسن إجراؤها إلى أن الأسپرين يدرأ الهجمات القلبية، ويقي بعض المرضى من السكتات الصغيرة mini strokes (هجمات إقفار الدم العابرة "TIAs" 2 ). ولكن ربما أدت المقادير المنخفضة التي تؤمن هذه الوقاية إلى إنقاص الميل الطبيعي للدم إلى التجلط عوضا عن تهدئة الالتهاب.
 
ولا يملك العلماء إلا معلومات سريرية ضئيلة عن تأثيرات المضادات NSAIDs الأخرى في التصلب العصيدي. وتبين بعض الأدلة أن بوسع مثبطات انتقائية للإنزيم COX-2 المولّد للپروستاگلاندين أن تعزز في الواقع حدوث خثرة لدى بعض المرضى. وقد يثبت أن الكورتيزون والستيرويدات القريبة منه ذات سميّة شديدة في حال استعمالها زمنا طويلا، ولا تتوافر معلومات تدعم فائدتها في الإقلال من مضاعفات التصلب العصيدي.
 
وحتى لو أثبتت العقاقير المضادة للالتهاب فعاليتها، فقد يتوجب إعطاؤها سنوات من دون انقطاع للحيلولة دون تفاقم التصلب العصيدي.
 
وتقلقني هذه الصورة، لأن استمرار التدخل في الالتهاب قد يكلف ثمنا باهظا يتجلى في ازدياد احتمال العدوى. وقد يتمكن أحدهم يوما ما من استنباط طريقة لإيقاف التهاب التصلب العصيدي المدمّر المزمن من دون تقويض المناعة الشاملة. ولكن يتراءى لي أن الاستراتيجية العملية جدا ستركز على نزع فتيل المفجر القابع عند أساس الالتهاب الشرياني.
 
ومن حسن الطالع، وجود بعض وسائل الوقاية في متناول اليد. فالغذاء الصحي المناسب للقلب والرياضة المنتظمة وإنقاص وزن الأفراد البدينين أمور كفيلة بالإقلال من مخاطر الهجمة القلبية والتغلب على الداء السكري. وفضلا على ذلك فمنذ عام 1994 أجريت تجارب سريرية عديدة، صُممت ونُفِّذت على نحو خال من العيوب، أثبتت بما لا يدع مجالا للشك أن بإمكان العقاقير الخافضة للشحوم أن تنقص احتمال حدوث مضاعفات التصلب العصيدي، وأن تطيل الحياة بصفة عامة على ما يبدو ـ أي في الأفراد الذين يعانون طيفا واسعا من مستويات الخطورة. ولم يُثبت الباحثون بعد الآلية وراء نجاح العقاقير الخافضة للشحوم، التي يبدو أنها لا تقلل التضيق الشرياني على نحو كبير. غير أن الدراسات التي أجريت على الخلايا والحيوانات الكاملة والبشر، تشير إلى أن خفض الشحوم (كما يمكن توقعه من المناقشة السابقة) قد يفيد عن طريق الحد من الالتهاب؛ الأمر الذي ينجم عنه إضعاف تكون اللويحات إلى الحد الأدنى، والإقلال من احتمال تمزق اللويحات الموجودة.
 
اختبارٌ بالغ الأثر(**********) 
من المألوف أن يعتمد الأطباء اعتمادا كبيرا على قياسات الكولستيرول في الدم حين اتخاذ قرار فيما إذا كان المريض يتطلب مداواة لمنع هجمة قلبية أو سكتة ذات علاقة بالتصلب العصيدي. ولكن تلك الطريقة تُغفل عددا ضخما من الأشخاص المستهدفين. وترى دراسات عديدة أن قياس تركيز الپروتين التفاعلي C في الدم ـ وهو واسم للالتهاب ـ يمكن أن يضيف معلومات مفيدة. وفي الواقع، أوضح <M.P.ردكر> [من مستشفى بريگهام وويمنز في تقرير حديث] أن فحص كل من مستويات الپروتين التفاعلي C (التي لا يمكن التنبؤ بها من قياسات الكولستيرول) ومستويات الكولستيرول يزود بدلالةٍ عن الخطورة أكثر دقة مما يقدمه عيار الكولستيرول وحده (المخطط البياني).
صنف <ردكر> مستويات الكولستيرول عند الناس البالغين عموما في خمس مجموعات ترتفع تدريجيا (خُمسيات quintiles)، كما قسم مستويات الپروتين التفاعلي C إلى خُمسيات منفصلة أيضا. ثم حدد الخطورة النسبية التي يواجهها الأفراد ذوو التوليفات المتفاوتة من قيم الكولستيرول والپروتين التفاعلي C؛ أي إنه أعطى مستوى الخطورة الأدنى الرقم 1 وخص به الأفراد الذين وقعت مستويات الكولستيرول والپروتين التفاعلي C لديهم في أخفض خمسية (الزاوية الأمامية). ثم حسب مقدار تضاعف تلك الخطورة في البالغين الذين لديهم تباديل permutations أخرى في قياسات الكولستيرول والپروتين التفاعلي C.
لقد وجد أن قيم الپروتين التفاعلي C العالية تدل بشكل واضح على ارتفاع خطورة حدوث هجمة قلبية أو سكتة حتى بين الأفراد الذين تبدو قيم الكولستيرول لديهم مطمئنة. وعلى سبيل المثال، إن الأشخاص الذين يتمتعون بمستويات كولستيرول متوسطة (الخمسية الثالثة) وبأعلى مستويات الپروتين التفاعلي C يواجهون الخطر ذاته الذي يواجهه أولئك الذين تبدو لديهم أعلى مستويات الكولستيرول وأدنى مستويات الپروتين التفاعلي C. أما الأفراد الذين يملكون أعلى مستويات الكولستيرول والپروتين التفاعلي C معا فيواجهون الخطر الأعظم. ويأمل الباحثون اليوم، بعد أن ظهرت هذه النتائج المشجعة، أن يجروا دراسة واسعة لتقييم ما إذا كان الاعتماد في اتخاذ قرارات المعالجة على توليفة تضم اختبار الپروتين التفاعلي C والكولستيرول سينقذ الحياة.
 
وتدعم هذه الفكرةَ التحاليلُ الحديثة للستاتينات statins، وهي عقاقير تضبط الشحوم وتوصف للمرضى على نطاق واسع. وتؤكد التحاليل قدرة الأدوية على خفض الالتهاب في المرضى. وتشير التجارب التي أجريت على الخلايا المنفردة وحيوانات المختبر أن تأثيرات الأدوية المضادة للالتهاب قد لا تعتمد كليا على تغيير تركيزات الشحوم في الدم. إن الستاتينات التي تخفض مستويات LDL وما يرتبط به من شحوم سيئة عن طريق زيادة تخليص الجسم منها ـ تحدّ أيضا من توافر المواد الكيميائية المتاحة التي تمكّن الخلايا من الاستجابة للوسائط الالتهابية.
 
وقد تُثبت العقاقير التجريبية التي تستهدف عوامل خطورة أخرى تتصل بأمراض القلب والسكتة أنها ذات تأثيرات مفيدة مضادة للالتهاب أيضا. وهنا تتبادر إلى الذهن العوامل agents التي ترفع مستويات HDL أو تحد من عمل الأنجيوتنسين II. ولكن المعالجة بالڤيتامينات المضادة للأكسدة برهنت على أنها مخيبة للآمال.
 
تفسر الصورة الجديدة للتصلب العصيدي سبب حدوث الكثير
من الهجمات القلبية على نحو غير متوقع: إن اللويحات التي تتمزق
لا تبرز بالضرورة بروزا شديدا في أوعية الدم ولذا فقد لا تسبب ذبحة صدرية.
ومهما تبلغ فائدة الدواء، فلن تتضح قيمته إن بقي على رفوف الصيدليات بدون استعمال. والأطباء بحاجة إلى طرق أفضل لكشف التصلب العصيدي الخطر لدى كثير من الناس الذين تبدو مستويات الشحوم عندهم جيدة إلى حد لا يسوّغ المعالجة. وتشير نتائج دراسات حديثة إلى أن فحوص الدم التي تجمع بين اختبار الشحوم ورصد مادة تدعى الپروتين التفاعلي C قد تحسن الكشف.
 
نحو الكشف المبكر(***********)
يدل وجود الپروتين التفاعلي C في الدم على حدوث التهاب في موضع ما من الجسم. وتشير مستوياته الشديدة الارتفاع إلى تزايد خطورة حدوث هجمة قلبية أو سكتة، حتى لو كانت قيم LDL منخفضة جدا ولا تستدعي المعالجة طبقا لما هو سائد في الكتب الإرشادية. ويضاف إلى ذلك، أن دراسة واحدة على الأقل أظهرت أن إعطاء الستاتينات لمن لديهم تركيزات دون المتوسط من LDL ولكن لديهم مستويات عالية من الپروتين التفاعلي C، قلّل من نسبة وقوع هجمة قلبية لديهم، مقارنة بمجموعة مماثلة من المرضى لم تتلقَّ أي مداواة. ومن الضروري تأكيد مثل هذه النتائج بإجراء تجارب أوسع قبل أن يتمكن الأطباء من معالجة مرضاهم بثقة على أساس الاختبار المشترك، مع أن بعض الأطباء شرعوا بالفعل في إدخال اختبارات الپروتين التفاعلي C في ممارساتهم.
 
إن الوسائل غير الباضعة الرامية بصورة خاصة إلى تعيين اللويحات الضعيفة، قد تساعد أيضا على تشخيص الأفراد الذين لا تظهر لديهم علامات واضحة تنذر بخطورة تعرضهم لهجمة قلبية أو سكتة، على الرغم من اتجاههم نحو كارثة. وتشمل هذه الوسائل قياس حرارة الأوعية الدموية (لأن الحرارة يجب أن ترافق الالتهاب)، وتغيير تقانات التصوير imaging الحالية (كالتصوير بالرنين المغنطيسي (MRI) أو التصوير الطبقي المحوري المحوسب (CT scan)) لتحسين قدرتها على تصوير المادة داخل جدر الأوعية. وفي هذه الأثناء يبحث اختصاصيو الوراثة عن أشكال جينية مغايرة تجعل بعض الناس أكثر من غيرهم استعدادا للإصابة بالالتهاب المزمن والتصلب العصيدي ومضاعفاته، كي يتمكن الأفراد المعرضون لخطورة الإصابة بهذه الاعتلالات من البحث عن طرائق رصدٍ ومعالجة أكثر فاعلية.
 
ويلاحظ، على امتداد التاريخ البشري، أن قدرة الالتهاب على دفع أذى العدوى كانت تفوق أضرارها. أما اليوم، ونحن نعيش حياة أطول ونمارس رياضة أقل ونسرف في الأكل وندخن، فإن الكثير منا يعاني الجانب المظلم من الالتهاب ـ بما في ذلك قدرته على الإسهام في حدوث التصلب العصيدي وغيره من الاعتلالات المزمنة. ويستمر العلماء في سعيهم وراء فهم أعمق لدور الالتهاب في التصلب العصيدي وفك طلاسم أسرار التآثرات الشيطانية المفرطة التعقيد التي تطلق شرارة السيرورات الالتهابية في الشرايين وتسيِّرها. ويجب على هذه التبصرات insights أن تمكننا من شن الغارات على مرض تزداد أهميته في أرجاء العالم؛ إذ يسبب العجز الشامل ويقضي على حياة الكثيرين.
 

 المؤلف
Peter Libby
حصل على الدكتوراه في الطب من جامعة كاليفورنيا بسان دييگو؛ وهو رئيس قسم الطب القلبي الوعائي في مستشفى بريگهام وويمنز، وأستاذ في كلية طب هارڤارد. شارك في تحرير الطبعة السادسة من كتاب «أمراض القلب»، وهو كتاب دراسي كلاسيكي في طب القلب (انظر «مراجع للاستزادة» في الأسفل). ويرى المؤلف أن «تعديل أسلوب الحياة يعد حجر الزاوية في الوقاية من الأمراض القلبية الوعائية»، ويطبق ما يدعو إليه عن طريق رياضة الركض التي يمارسها بشغف شديد، وإن لم تكن بسرعة كبيرة.
 

مراجع للاستزادة 
The Molecular Bases of Acute Coronary Syndromes. Peter Libby in Circulation, Vol. 91, No. 11, pages 2844-2850; June 1, 1995. Available at www.circulationaha.org
Stability and Instability: The Two Faces of Coronary Atherosclerosis. Paul Dudley White Lecture, 1995. M. J. Davies in Circulation, Vol. 94, No. 8, pages 2013-2020; October 15, 1996.
Oxidized Lipids In Atherogenesis: Formation, Destruction and Action. J. Berliner et al, in Thrombosis and Hoemostasis, Vol. 78, No. 1, pages 195-199; July 1997.
Low Density Lipoprotein Oxidation and Its Pathobiologlcal Significance. Daniel Steinberg in Journal of Biological Chemistry, Vol. 272, No. 34, pages 20963-20966; August 22, 1997. Available at www.jbe.org
Current Concepts of the Pathogenesis of the Acute Coronary Syndromes. Peter Libby in Circulation, Vol. 104, No. 3, pages 365-372; July 17, 2001.
The Vascular Biology of Atherosclerosis. Peter Libby in Heart Disease: A Textbook of Cardiovascular Medicine. Sixth edition. Edited by Eugene Braunwald, Douglas P. Zipes and Peter Libby. W. B. Saunders, 2001.
Inflammation and Atherosclerosis. Peter Libby, Paul M. Ridker and Attilio Maseri in Circulation, Vol. 105, No. 9, pages 1135-1143; March 5, 2002.
Current recommended LDL levels appear at www.nhlbi.nih.gov/guidelines/cholesterol/indax.htm
Scientific American, May 2002


 ATHEROSCLEROSIS: THE NEW VIEW(*)
Igniting Trouble (**)
 Fueling Plaque Growth(***)
Causing Crises(****)
 Overview / Antherosclerosis(*****)
 New Roles for Familiar Actors(******)
 Beyond Bad Cholesterol(*******)
 Inflammation's Many Roles(********)
 Reducing Danger(*********)
 (**********)A Telling Test
 (***********)Toward Early Detection
 

(1) stroke، ويقال أيضا: نشبة.
(2)plumbing
(3) friendly fire
(4) low-density lipoprotein
(5) nonsteroided anti-inflamatory drugs
(6) transient ischemic attacks

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق