Translate

الثلاثاء، 13 مارس 2012

داخل مختبر اللحم



داخل مختبر اللحم(*)
تسعى مجموعة من العلماء إلى تلبية رغبة العالم المتزايدة في شرائح
اللحم دون إلحاق الأذى بكوكب الأرض. وتبدأ الخطوة الأولى بطبق پتري(1).

<J. بارثوليت>


باختصار
   يمكن للحم الذي يُنمّى في المختبر توفيرمصادرالحصول على طعام غني بالبروتين، دون الوقوع في المشكلات البيئية والأخلاقية التي ترافق عادة عمليات تربية الماشية على نطاق واسع.
   ومع ذلك ما يزال التقدم في هذا المضمار بطيئا بسبب ما يواجهه العلماء من صعاب في تأمين الدعم المالي اللازم لإجراء أبحاثهم.
   وتتضمن إحدى الاستراتيجيات الواعدة إنماء خلايا جذعية جنينية embryonic stem cells من الماشية في مستنبتات اصطناعية، ومن ثم توجيهها إلى التحول إلى خلايا عضلية.
   وحتى لو نجح البحث في هذا المجال، فإن البعض يتساءل عما إذا كان الجمهور سوف يستسيغ يوما ما طعم اللحم الذي جرت هندسته في المختبر

ليس من الغريب أن يكون الملهمون ذوي عاطفة جياشة أو حتى متعصبين؛ ولا يستثنى من ذلك <W. ڤان إيلين>، الذي يمكنه بعد أن بلغ السابعة والثمانين من العمر أن ينظر إلى الماضي متذكرا حياته التي كانت غير عادية. فقد وُلد في إندونيسيا حينما كانت تحت الاحتلال الهولندي، وهو ابن لطبيب أدار مستعمرة للمجذومين(2). وفي شبابه حارب اليابانيين في الحرب العالمية الثانية وقضى عدة أعوام في معسكرات أسرى هذا الحرب، حيث استخدم الحراس اليابانيون الأسرى للعمل كالعبيد، وكانوا يتركونهم جياعا. ويتذكر >ڤان إيلين< أحداث الماضي قائلا: «إذا بلغ الغباء بأحد الكلاب الضالة إلى الحد الذي يجعله يتجرأ على تجاوز الأسلاك التي تحيط بالمعسكر فسرعان ما ينقض عليه السجناء ويمزقونه إربا ويأكلونه نيئا، ويضيف: «لو نظرت إلى معدتي آنذاك لرأيت من خلالها عمودي الفقري. لقد كنت ميتا بالفعل.» ولقد أثارت تجربته هواجس في نفسه تتعلق بالطعام والتغذية وعلم البقاء استحوذت على تفكيره طوال حياته.

كان الهاجس عنده يقود إلى هاجس آخر. فبعد أن حرر الحلفاء إندونيسيا درس >ڤان إيلين< الطب في جامعة أمستردام. وحدث أن شرح أحد الأساتذة لطلبته كيف تمكن من إنماء قطعة من نسيج عضلي في المختبر، فألهمت هذه التجربة >ڤان إيلين< التفكير في إمكانية إنماء لحم الطعام دون الحاجة إلى تربية الحيوانات وذبحها. وتخيل إمكانية إنتاج غذاء غني بالبروتين كما تنتج المحاصيل الزراعية، ودون التأثر بظروف المناخ والبيئة، أو قتل كائنات حية.

وتبدو هذه الفكرة أكثر أهمية اليوم. فقد كان عدد بني البشر يزيد قليلا على بليوني نسمة عام 1940 ولم يشكل الاحترار العالمي global warming آنذاك مشكلة ذات بال. أما اليوم فيعيش على كوكبنا ثلاثة أضعاف هذا العدد من البشر. وحسب تقرير منظمة الغذاء والزراعة(3) FAO الذي نشر عام 2006، فإن الأعمال المتعلقة بالماشية live-stock من دواجن ومواشٍ ودواب، تتسبب في نحو 18 في المئة من مجمل انبعاثات غاز الاحتباس الحراري greenhouse التي يتسبب بها الإنسان، وهي مساهمة أكبر مما يتسبب به قطاع النقل. وتتوقع هذه المنظمة أن تتضاعف تقريبا كمية اللحوم المستهلكة في الفترة ما بين عامي 2002 إلى 2050.



ويمكن للحم المنتج في المفاعلات الحيوية bioreactors، بدلا من إنتاجه في المزارع أن يخفف من معاناة كوكبنا. وقد شارك <H. تيوميستو> وهو طالب دكتوراه في جامعة أكسفورد، في دراسة أجريت العام الماضي حول التأثير البيئي المنتظر للَّحم المستنبت صناعيا cultured meat. وهذه الدراسة أوضحت أن مثل هذا الإنتاج إذا أجراه العلماء بطريقة إنماء الخلايا العضلية في مستنبت من البكتيريا الزرقاء المحلمأة cyanobacteria hydrolysate؛ (وهي بكتيريا تربى في البرك)، فسوف يؤدي ذلك إلى خفض استهلاك كمية الطاقة المستخدمة بمقدار 35 إلى 60 في المئة وخفض انبعاثات غاز الاحتباس الحراري بنسب تتراوح بين 80 إلى 90 في المئة، إضافة إلى تقليل مساحات الأرض المستخدمة بمقدار 98 في المئة مقارنة بإنتاج اللحم بالطرق التقليدية في أوروبا.

وحاليا يُستخدم 30 في المئة من مساحة الكرة الأرضية الخالية من الثلوج لرعي المواشي وإنتاج الغذاء الحيواني، فإذا ما أصبح إنتاج اللحم المستنبت صناعيا قابلا للتطبيق والاستهلاك على مستوى واسع، فإن جزءا كبيرا من مساحة هذه الأرض يمكن استخدامها لأغراض أخرى، بما في ذلك زراعة غابات جديدة يمكنها الإسهام في امتصاص الكربون من الهواء الجوي. وحينها لا نحتاج أيضا إلى نقل اللحوم عبر الكرة الأرضية، لأن مواقع إنتاجها يمكن أن توجد بالقرب من المستهلكين. بعض المتحمسين يتصورون أنه توجد مختبرات لحم محلية صغيرة تبيع منتجاتها في متاجر السوق التي تقدم الطعام لهواة المأكولات المحلية locavores.

الخيار الوحيد المتبقي(**)

حتى <W. تشرشل> كان يعتقد أن استنبات اللحوم في المختبر فكرة جيدة، حيث تنبأ عام 1932 في كتابه «أفكار وتجارب» قائلا: «بعد خمسين عاما سوف نتمكن من تجاوز سخافة تربية دجاجة كاملة من أجل أن نأكل صدرها أو جناحها، وسنقوم بتنمية هذه الأجزاء منفردة في ظروف مناسبة.» ولكن مضت معظم سنوات القرن العشرين وانقضت دون أن يأخذ أحد هذه الفكرة مأخذ الجد سوى عدد قليل من المعنيين. أما >ڤان إيلين< فلم يترك الأمر ليدخل في غياهب النسيان. فإلى جانب قيامه بالعمل في العديد من الوظائف عمل بائعا للصحف وسائقا للتاكسي (سيارة الأجرة) وصانعا لبيوت الدمى ثم أسس جمعية لمساعدة الأطفال المعدمين وتَملَّكَ معارضَ فنية ومقاهي، فقد قام بكتابة الدراسات حول إنتاج اللحم في الزجاج in vitro، وأنفق في نهاية المطاف معظم ما كسبه من مال في عمليات التقدم لتسجيل براءات اختراع. وقد سجل، بالاشتراك مع شريكين له، براءة اختراع هولندية عام 1999، وبعدها سجل براءات اختراع أوروبية أخرى، وأخيرا براءتي اختراع في الولايات المتحدة الأمريكية. وفي عام 2005 تمكن مع آخرين من إقناع وزارة الشؤون الاقتصادية الهولندية بتخصيص مبلغ مليوني يورو لدعم الأبحاث الهادفة إلى إنتاج اللحم في الزجاج بهولندا، والذي يعد أكبر دعم حكومي لمثل هذه الأبحاث حتى الآن.

وخلال تلك الفترة نجح عالم أمريكي هو <M. بينجامينسون> في إنماء شريحة من لحم السمك في المختبر، مستخدما منحة صغيرة من ناسا NASA، التي كانت مهتمة آنذاك بتطوير مصادر غذاء لاستخدامها أثناء رحلات الفضاء بعيدة المدى. فقد قام هذا العالم بإزالة عضلة هيكلية skeletal muscle من سمكة ذهبية goldfish عادية، ومن ثم تنميتها بعيدا عن جسم السمكة. وبعدها قام أحد مساعديه بنقع اللحم المستنبت explants في زيت الزيتون والثوم المفروم والليمون والفلفل ثم غمسها في فتات الخبز وقلاها في زيت ساخن. ويقول <بينجامينسون> [وهو حاليا أستاذ متقاعد في الكلية Touro في مدينة Bay Shore بولاية نيويورك]: «بعد ذلك قامت مجموعة من الزميلات باختبار منظرها ورائحتها وقد وجدن أن شكلها ورائحتها تشبهان إلى حدٍّ كبير أي نوع من السمك تشتريه من السوق المركزي supermarket». ولكن يبدو أن ناسا حينذاك قد توصلت إلى قناعة بأن هناك طرقا أسهل لتزويد رواد الفضاء بالبروتين خلال رحلاتهم الفضائية الطويلة، فامتنعت عن الاستمرار بدعم أبحاث <بينجامينسون>.

تستطيع عشر خلايا في الظروف الطبيعية أن تتكاثر لتصبح نحو000 50 طن متري من اللحم في مدى شهرين. ويكون خط الخلية هذا كافيا لإطعام العالم بأكمله

استخدم <ڤان إيلين> و<P .H. هاگسمان> [وهو عالم في جامعة أوترِشت Utrecht] المال الهولندي لدعم تجمع مالي consortium يهدف إلى بيان إمكانية أخذ خلايا جذعية من حيوانات المزارع واستنباتها وحثها لتصبح خلايا عضلية هيكلية. وتضمن الفريق ممثلا عن شركة اللحوم ميستر ستيگمان Meester Stegeman BV والتي أصبحت فيما بعد جزءا من تجمع سارا لي(4) في أوروبا، إضافة إلى ثلاثة من العلماء البارزين من ثلاث جامعات هولندية. وكل جامعة تولت دراسة جوانب معينة من عملية استنبات اللحم في المختبر، إذ قام العلماء في جامعة أمستردام بالتركيز على إنتاج أوساط media استنبات فعالة، في حين قامت مجموعة جامعة أوترِشت بالعمل على فصل الخلايا الجذعية ودفعها للتكاثر وتحويلها إلى خلايا عضلية، أما مجموعة جامعة آيندهوڤن للتقانة فقد حاولت تدريب خلايا العضلات على النمو بوتيرة أكبر.

وقد حقق العلماء بعض التقدم، حيث نجحوا في إنماء شرائح صغيرة ورفيعة من نسيج عضلي في المختبر. وكان هذا النتاج يشبه قِطَعا من شرائح اللحم الرقيق scallop لها نسيج لَدْن chewy يشبه الكلاماري(calamari (5 . ولكن يبقى عدد من العوائق يحول دون الإنتاج على المستوى التجاري. وهنا يقول <P. ڤيرشتراث>: «لقد كسبنا المعرفة، وتعلمنا الكثير، لكننا لم نحصل حتى الآن من طبق پتري على شيء يشبه في طعمه شريحة لحم من نوع(T-bone steak (6.» علما بأن <ڤيرشتراث> كان ممثلا لشركة ميستر ستيگمان في التجمع المالي ويعمل حاليا مستشارا. ولكن مع مرور الوقت نفدت الأموال الهولندية المرصودة لهذا الغرض.

وحاليا يعبر <ڤان إيلين> عن الغضب الذي يعتمل في صدره مُدَّعِيا بأن أحد العلماء الذين شاركوا في المشروع كان «غبيا» أما الباقون فقد قاموا باستغلاله واستغلال الحكومة الهولندية للحصول على النقود، ويضيف: «لا أعلم ماذا أنجزوا خلال أربع سنوات سوى الكلام والكلام ثم الكلام، وفي كل عام يستنزفون مزيدا من المال.» ومن جانب آخر يدعي العلماء بأن <ڤان إيلين> لم يكن يدرك قطُّ صلابة التحديات. وفي هذا المجال يقول <B. رولين> [وهو عالم في مجال بيولوجيا الخلية عمل في المشروع في جامعة أُوترِشت]: «لقد كانت لديه فكرة ساذجة مؤداها أن بالإمكان وضع خلايا عضلية في طبق اختبار لتقوم بالنمو، وأنك إذا أنفقت مالا في هذا المشروع، فسوف تحصل على اللحم خلال عامين.»

لم يكن >ڤان إيلين< الوحيد الذي تخيل حدوث ثورة. ففي عام 2005 بَشّرَت مقالة في نيويورك تايمز بأنه من الممكن خلال سنوات قليلة أن تتوافر اللحوم - المستنبتة في المختبر - في الأسواق على شكل نقانق أو فطائر لحم. وقبل شهرين من ظهور هذه القصة نشر الباحثون أول بحث مُحَكَّم حول آفاق الإنتاج الصناعي للحم المستنبت وذلك في مجلة هندسة الأنسجة Tissue Engineering. وكان من ضمن مؤلفي البحث <G .J. ماثني>، المؤسس المشارك لمجموعة الدفاع عن اللحم المنتج في المختبر New Harvest. علما بأنه من أكثر الناس فهما للتحديات التي يواجهها هذا المجال، إذ يقول: «إن هندسة الأنسجة صعبة جدا وبالغة التكلفة حاليا،» ويضيف: «ومن أجل أن نصل إلى تقبل السوق لهذا الأمر، علينا بشكل أساس أن نحل المشكلات التقنية التي تزيد من تكلفة اللحم الذي تجري هندسته.» ويضيف: «سوف يتطلب ذلك إنفاق الكثير من المال، علما بأن عددا محدودا من الحكومات أو المنظمات كانت راغبة في الالتزام بتوفير الدعم المالي اللازم.»

لقد كان التسليم بالفشل بالنسبة إلى العلماء أمرا يتسم بقصر النظر. و هنا يقول <J .M. پوست> [رئيس قسم وظائف الأعضاء في جامعة ماسترشت]: «أنا شديد الحماس لهذا الأمر، ولا أدري أي سبيل يمكن اتباعه للاستمرار بالاعتماد على مصادر اللحم من المواشي، خلال العقود القادمة.» 

التجمع مطلوب(***)

من الناحية النظرية يمكن لمصنع إنتاج اللحم في مختبر أن يعمل بالترتيب التالي: نحتاج أولا إلى فنيين لعزل خلايا جذعية جنينية أو ناضجة من خنزير أو بقرة أو دجاجة أو أي حيوان آخر، وأن يُنَمُّوا هذه الخلايا في مفاعلات حيوية باستخدام مستنبت مشتق من النباتات. ويمكن عندها للخلايا الجذعية أن تنقسم وتعيد الانقسام عدة أشهر وحتى حد معين. وبعدها على الفنيين أن يوجهوا الخلايا إلى التمايز differentiate لتكوين العضلات (بدلا من تكوين خلايا عظمية أو خلايا دماغية مثلا). وأخيرا يجب تجميع الخلايا العضلية وجعلها تتراكم بنظام شبيه بالطريقة التي تبني بها الحيوانات قوتها من خلال التدريب والحركة.

و حاليا تواجه كل مرحلة من مراحل هذه العملية تحديات. وتتمثل إحدى الصعاب بتطوير خطوط خلايا جذعية يمكنها التكاثر لفترات طويلة دون أن تقرر فجأة أنها تريد التمايز بطريقتها الخاصة. ويتمثل تحد آخر بأن تتأكد أن الخلايا الجذعية عند دفعها للتمايز سوف تتحول غالبيتها العظمى إلى عضلات وفق التعليمات التي صدرت إليها، وهنا يوضح <رولين>: «عند تمايز عشر خلايا، فأنت بحاجة إلى أن تتحول سبع أو ثمانٍ منها على الأقل إلى خلايا عضلية وليس ثلاث أو أربعُ خلايا، علما بأننا الآن يمكن أن نحصل على %50 من التمايز.»

حاول العلماء من جامعة أوترِشت استخلاص وتطوير خطوط خلايا جذعية جنينية من الخنازير. ويمكن لمثل هذه الخلايا أن تكون قادرة في الظروف العادية على التضاعف كل يوم ولمدة طويلة وهذا يعني أنه يمكن لعشر خلايا أن تنمو لتوفر كمية مذهلة من اللحم المحتمل خلال شهرين فقط، وهي كمية تقدر بأكثر من خمسين ألف طن متري. وأشار تقرير صدر عام 2009 عن فريق جامعة أوترِشت إلى أن تنمية خلايا جذعية جنينية يمكنها أن تكون مثالية لهذا الغرض، حيث إن هذه الخلايا تمتلك قدرة غير محدودة (تقريبا) على تجديد الذات self- renewal، ويضيف التقرير «يمكن من الناحية النظرية لواحد من خطوط هذه الخلايا أن يكفي لإطعام كل البشر.»

ولكن خطوط الخلايا هذه لم يمكن تطويرها، إلا في الفئران والأرانب وقردة الرِّيص الهندية الصغيرة rhesus monkeys وبني البشر. أما الخلايا الجنينية من حيوانات المزارع فتميل إلى التمايز، بسرعة ووفق ما يلائمها إلى خلايا متخصصة. وحسب ما ورد في تقرير فريق جامعة أوترشت فإن خلايا الخنزير porcine غالبا ما تغير اتجاهها وتتحول إلى ذُرّية عصبية neural lineage - خلايا دماغية وليست لحم خنزير مقدد bacon.



توجهات عالمية
مشكلات تتعلق باللحم(****)
يتناول الناس في العالم الغني الكثير من اللحم، كما تزداد كميات ما يُستهلك منه في الدول النامية. ويرجع أحد أسباب ذلك إلى ازدياد أعداد النازحين إلى المدن، حيث تتوفر بُنية تحتية أفضل؛ مما يعني إمكانية الحفاظ على اللحم مُبردا عبر رحلته من المسلخ إلى المطبخ، ومع زيادة الطلب على اللحم تزداد كذلك العواقب البيئية. وتتسبب الأنشطة الزراعية المتعلقة «بالمخزون الحي» حاليا بما نسبته (%17.8) من مجمل انبعاثات غاز الاحتباس الحراري الناجمة عن الأنشطة البشرية.
استهلاك اللحم العالمي

المساهمة الحالية للمخزون الحي في أنبعاثات غاز الإحتباس الحراري


كيف يتم العمل
طبق التجارب الزجاجي(*****)
يطور الباحثون طرقا لتنمية الخلايا الجذعية المأخوذة من المخزون الحي وتحويلها إلى منتجات لحم قابلة للأكل. ويوضح الشكل كيف يمكنها أن تعمل.
خلايا جذعية جنينية
   1 يفصل الباحثون خلايا جذعية جنينية أو ناضجة من خنزير أو بقرة أو دجاجة.
   a 2 خلايا جذعية مأخوذة من جنين يسهل دفعها للتكاثر، ولكن يصعب غلقها للتحول إلى خلايا عضلية.
   b 2 وعلى العكس من ذلك، فإن الخلايا الجذعية الناضجة المأخوذة من نسيج عضلي يصعب تنميتها، ولكن يسهل تحويلها إلى شكل عضلة.
   3 يقوم العلماء بحفز الخلايا الجذعية على التكاثر لمرات عديدة، من خلال زراعتها في مصل نمو بكتيري الأساس. أما الخلايا الجنينية فيتم حثها على تكوين خلايا عضلية.
   4 توضع الخلايا على سقالة حيث تُكوِّن أليافا عضلية. ويؤدي إجهاد الخلايا إلى تدريبها وتضخيمها.
   5 يجري حصاد الخلايا واستهلاكها. ويكون ظهور شرائط اللحم النحيلة لأول مرة على شكل مُنتج معالَج مثل النقانق أو اللحم المفروم - وليس على شكل شرائح.


وقد تعاملت مجموعة أوترشت أيضا مع خلايا جذعية ناضجة تتميز بكونها مسبقة البرمجة إلى حد كبير، وتوجد هذه الخلايا في العضلات الهيكلية (كما توجد أيضا في أجزاء أخرى من الجسم) ولها رسالة محددة: تتمثل بأن تقوم بإصلاح الأنسجة التي تتعرض للإصابة أو التلف. وبناء على ذلك، فإن كنت تهدف إلى إنتاج اللحم في المختبر وتحتاج إلى خلايا جذعية يمكنها بشكل مؤكد تقريبا أن تتحول إلى نسيج عضلي، فإن الخلايا الجذعية الناضجة المستخلصة من نسيج العضلات الهيكلية تشكل الخيار الأفضل، ويمكنها أن تعمل بشكل جيد تماما. إلا أن العلماء حتى الآن لم يتمكنوا من حث هذه الخلايا على التكاثر بالقدر نفسه الذي نجحوا فيه مع الخلايا الجنينية.

هذا وتعد التكلفة عائقا آخر؛ ذلك أن المستنبت الذي يستخدم لتنمية أي نوع من الخلايا الجذعية مرتفع التكلفة؛ وقد تبلغ التكلفة على أساس الأوساط المتاحة حاليا نحو 000 50 دولار أمريكي لإنتاج رطل واحد من اللحم، باستخدام أفضل حمام تغذوي مستخلص من مصل جنينيّ fetal serum لعجل أو حصان جرى ذبحهما، وذلك وفق ما أفاد به <رولين>. وعبر السنوات الأخيرة طور العلماء وصفاتهم recipes الخاصة لأوساط كيميائية محددة لا تشتمل على أي منتجات حيوانية. وباستخدام تقانة: الدنا المأشوب recombinant DNA، تمكنوا أيضا من الحصول على خلايا نباتية تنتج بروتينات حيوانية يمكن استخدامها لتنمية اللحم. ولكن كلا نوعي تلك الأوساط يتميز حتى الآن بتكلفته العالية التي تحول دون استخدامه. هذا ويمكن لوسط يعتمد على الطحالب أن يعمل بشكل أفضل، لأن الطحالب بإمكانها إنتاج البروتينات والأحماض الأمينية اللازمة للحفاظ على حياة الخلايا، ولكن هذا الوسط أيضا يعد مكلفا، حتى الآن على الأقل.

وحينما يتمكن الباحثون من الحصول على مصدر كبير للخلايا العضلية، فسيكونوا بحاجة إلى الحفاظ عليها حية، وركمها bulk. ويمكن حاليا هندسة شريط رقيق من نسيج، ولكن ما أن تزداد ثخانته عن عدة طبقات من الخلايا حتى تبدأ بعض أجزائه بالموت، إذ إن الخلايا تحتاج إلى تزود دائم بالمغذيات لتبقى على قيد الحياة. أما خلايا الجسد الحي، فإنها تتغذى من خلال تدفق الدم في الشرايين والذي يُزِيل في طريقه الفضلات أيضا. و حاليا يعمل <پوست> على تطوير نظام ثلاثي الأبعاد يمكنه التزويد بمثل تلك المُغذيات.

إضافة إلى ذلك يستكشف <پوست> عملية تضخيم الخلايا العضلية ويقول: «عندما تزيل ضماد الجبس الصلب عن كسر أصاب إحدى العظام، فسوف تصاب بالهلع: عندما تلاحظ ضمور العضلات التي ما تلبث أن تعود إلى سابق عهدها في أسبوعين من الزمن. ونحن بحاجة إلى تقليد هذه العملية،» علما بأن الجسم يحقق ذلك بعدد من الطرائق، بما في ذلك التمارين الرياضية. أما ضمن تجهيزات المختبر فيمكن للعلماء أن يحفزوا النسيج بنبضات كهربائية. ولكن هذه العملية مكلفة وغير فعالة، لأنها تؤدي إلى إكثار كمية الخلايا بمقدار عشرة في المئة فقط. أما الطريقة الأخرى فتعتمد ببساطة على توفير نقاط ارتكاز anchor points: فحالما تتمكن الخلايا من الإمساك بنقاط ارتكاز مختلفة فإنها تحدث توترا من تلقاء نفسها. وقد وفر <پوست> نقاط ارتكاز بإقامة سقالات من بوليمرات سكرية تتآكل مع الزمن. ومن ثم، يقول: «نحن في هذه المرحلة لا نسعى إلى الحصول على خلايا عضلية كالموجودة في عضلات شوارزينگر(7)

وفي ذهن <پوست> طريقة أخرى يعتقد أن بإمكانها أن تحقق أفضل النتائج، لكنها أيضا أكثر تعقيدا. إذ إن الجسم بشكل طبيعي يُحَفّز نمو العضلات من خلال نبضات ميكروية بالغة الصغر باستخدام مواد كيميائية مثل الأسيتايل كولين(8) acetylcholine وهذه الكيميائيات زهيدة الثمن، الأمر الذي يجعل، ولو بشكل جزئي، مثل هذه المقاربة مغرية. ويقول <پوست>: «ولكن البراعة هنا تكمن في إجرائها على شكل نبضات متناهية الصغر». علما بأن العقبات أمام إجراء ذلك هي تقانية في طبيعتها وليست علمية.

وبطبيعة الحال، فإن تحقيق اختراقات في جميع هذه المجالات يحتاج إلى التمويل. وفي عام 2008 عرض المسؤولون في مؤسسة المعاملة الأخلاقية للحيوانات(9) PETA مليون دولار أمريكي لأول شخص أو مجموعة من الأشخاص يمكنهم تنمية دجاجة في مختبر تجاريا وبطريقة قابلة للتطبيق بحلول عام 2012، ولكن هذا العرض يشكل نوعا من العمل الدعائي والمثير ولا يقدم أي مساعدة للعلماء الذين يحتاجون إلى الدعم المالي لإجراء أبحاثهم الآن. وفي خطوة أكثر جدية قامت الحكومة الهولندية برصد نحو 000 800  يورو لدعم مشروع جديد يمتد إلى أربع سنوات يهدف إلى الاستمرار بأبحاث الخلايا الجذعية في جامعة أوترِشت، إضافة إلى إعداد دراسة تتناول المسائل الاجتماعية والأخلاقية المتعلقة بموضوع إنتاج اللحم في المختبر.

عامل الرفض والإحجام(******)

يرى البعض أن القبول الاجتماعي يشكل العائق الأكبر على الإطلاق في طريق إنتاج اللحم في المختبر وعلى نطاق تجاري. ويقول >توميستو< [من جامعة أكسفورد]: «لقد عرضت على العلماء مصطلح اللحم المستنبت (المستولد) cultured meat، ورأوا جميعا أن هذه فكرة عظيمة، لكنني حينما أتحدث مع غير العلماء أحس بأنهم أكثر خوفا من هذه الفكرة، إذ إنها تبدو مرعبة، مع أن هذا اللحم يتكون أساسا من نفس مواد اللحم الطبيعي، وهي الخلايا العضلية. ويكمن الاختلاف فقط في طريقة الإنتاج.»

وتشرف .C> ڤان دير فيلي< [من جامعة واگينينگن Wageningen] على الجوانب الفلسفية للدراسة الهولندية (فعلى سبيل المثال تبحث ما إذا كان هناك حاجز معنوي يحول دون تقبل اللحم المستنبت، أم إنه مكروه من الناحية الأخلاقية، أم إنه خليط من الاثنين؟). ولقد أثارت اهتمامها تلك الانفعالات العاطفية التي تكونت لدى البعض نحو هذه الفكرة، وتقول: «نحن نسمي هذه ردة فعل سلبية yuck response، إذ يعتقد الناس في البداية أن هذا اللحم قد يكون ملوثا أو مثيرا للاشمئزاز.»

وتلاحظ >ڤان دير فيلي< أن ذلك الإدراك الحسي يمكن أن يتغير بسرعة، وتشير إلى أن الناس غالبا ما يربطون بين اللحم المستنبت وبين فكرتين أخريين: تتعلق الأولى بالأطعمة المعدلة وراثيا، والتي غالبا ما يُنظر إليها في أوروبا على أنها مخطط خطير للشركات الكبرى يهدف إلى السيطرة أو التحكم في مصادر الغذاء؛ أما الثانية، فتتعلق بالإدراك الحسي السلبي تجاه صناعة اللحوم بشكل عام، وما يرتبط بها من مشكلات مزارع التصنيع والأمراض وسوء معاملة الحيوانات. وإذا ما أدرك الناس حقيقة اللحم المستنبت وأنه غير معدل وراثيا، ويمكن أن يكون نظيفا وبديلا عن مزارع التصنيع وصديقا للحيوانات، فإنها ترى أن «الاستجابة المروعة والشديدة السلبية عادة ما تزول سريعا.»

وبطبيعة الحال، فإن مثل هذه الملاحظات هي مجرد أقاويل، فالدراسة المزمع إجراؤها هي التي سوف تقدرالاستجابة الشعبية للحم المختبرات بشكل تفصيلي؛ وتقارن ردود الأفعال في مناطق مختلفة وذات ثقافات متنوعة، وبعدها يمكن أن نعين الطرائق التي قد تساعد على زيادة إقبال المستهلكين. ويحلم المناصرون لقضية اللحم المستنبت في يوم تقوم فيه الحكومات بفرض ضرائب بيئية على اللحم المنتج من مصادره الحيوانية؛ أي من الماشية، أو حينما يُقبِل المستهلكون على اللحم المنتج في المختبر وعليه بطاقة كُتب عليها «خال من القسوة» cruelty-free.

ويقول <پوست>، الذي قضى ست سنوات في جامعة هارڤارد وكلية دارت ماوث قبل أن يعود إلى موطنه هولندا عام 2002: «لا أعتقد أنك ترغب في أن تعرف شيئا عن الظروف الصحية السائدة في معظم مسالخ الولايات المتحدة الأمريكية أو تقانة القتل الرحيم euthanasia». كما يمكن لانتشار آخر لأحد الأمراض التي تصيب الحيوانات مثل جنون البقر أو إنفلونزا الطيور أن يجعل من اللحم المستنبت أكثر إثارة للشهية من اللحم التقليدي. وهنا يقول <رولين>: «نحن بعيدون عن مصدر ما نأكل، فعندما نتناول شطيرة من لحم البقر (همبورجر)، لا نفكر فيما نأكل، هل هي من لحم بقرة ميتة. وعندما يكون الناس بعيدين جدا عن مصدر ما يأكلون، فليس من الصعب أن تجدهم يقبلون على تناول اللحم المستنبت.»

يتوفر لدى <پوست> مخطط جريء لجذب تمويل جديد: إذ يهدف إلى تصنيع نقانق في المختبر، ليثبت فقط أن هذا الأمر قابل للتحقيق. ويُقدَّر أن هذا العمل سوف يكلف 000 300 يورو ويستغرق ستة أشهر، وسيقوم به طالبا دكتوراه يستخدمان خلاله ثلاثة حواضن incubators، ويقول <پوست>: «سوف نأخذ خزعتين biopsies أو ثلاثة من خنزير مثلا، أي نحو000 10 خلية. وبعد أن تقوم هذه الخلايا بالتضاعف عشرين مرة، سيتوفر لدينا عشرة بلايين خلية». وسيقوم الطالبان باستخدام 3000 طبق پتري لإنتاج عدد كبير من قطع دقيقة من نسيج عضلات الخنزير، والتي يمكن بعدها أن تُجَمَّع في مغلّفات مع بعض التوابل وغيرها من الإضافات غير اللحمية لمنحها طعما وبُنْيَة. وفي النهاية، سيتمكن العلماء من عرض النقانق إلى جانب الخنزير الحي الذي جرى استنباتها منه.

ويقول <پوست> إنه: «من حيث المبدأ فإن جمع مزيد من التمويل والدعم عمل يتطلب البراعة. ونحن نحاول أن نبرهن للعالم على أنه بإمكاننا أن نصنع منتجا من هذا اللحم». ويتساءل <رولين>: «هل سيكون طعم هذا المنتج شبيها بطعم النقانق؟» ويجيب: «بأنه يعتقد ذلك.» ثم يستطرد قائلا: «إن غالبية الطعوم التي نتذوقها مثل طعم أجنحة الدجاج أو النقانق صُنْعِيّة وتعود إلى إضافة الملح والعديد من الأمور الأخرى اللازمة لتذوق الطعم المطلوب.»

ولا يبدي <ڤان إيلين>، الذي يعد نفسه «الأب الروحي للحم المستنبت في المختبر»، حماسا لاقتراح إنتاج النقانق، لأنه مثالي عنيد يعتقد بأهمية الترويج لقضية اللحم المستنبت في المختبر الذي يشبه في مظهره ورائحته وطعمه أي لحم تشتريه من المزارع. وقد يكون <ڤان إيلين> على يقين أيضا من أن الوقت قد يمضي قبل أن يتحقق الحلم الذي كرس معظم حياته تقريبا من أجله. وهنا يقول <رولين>: «كلما تَحَدَّثتَ إليه تجده يتحدث عن شخص عثر عليه وهو الذي سيكون العَالِمَ المتميز الذي سيقوم بحل جميع المشكلات.» ويستطرد قائلا: «أستطيع أن أتفهم وجهة نظره، لكنني لا أستطيع أن أغير قوانين هذا الكون.»

المؤلف
Jeffrey Bartholet
<بارثوليت>: مراسل خارجي قدير ورئيس سابق لمكتب مجلة نيوزويك في واشنطن.



  مراجع للاستزادة

Production of Animal Proteins by Cell Systems. H.P. Hagssman, K.J. Hellingwerf and B.A.J. Roelen. University of Utrecht, October 2009

Livestock Production: Recent Trends, Future Prospects. Philip K. Thomton in Philosophical Transactions of the Royal Society B, Vol. 365, No. 1554, pages 2853-2867; September 27, 2010

Food: A Taste of Things to come? Nicola Jones in Nature, Vol. 468, pages 752-753:2010

Animal-Free Meat Biofabrication, B. F. Bhat and Z. Bhat in American Journal of Food Technology. Vol. 6, No. 6, pages 441-459; 2011

New Harvest: www.new-harvest.org


(*) INSIDE THE MEAT LAB
(**) THE ONLY CHOICE LEFT
(***) ASSEMBLY REQUIRED
(****) Meaty Problems
(*****) The Petri Dish Platter
(******) THE ICK FACTOR.
إن كلمة ick مشتقة من كلمة sick؛ وتستخدم عادة للإشارة إلى الأشياء التي لا نحبها ونعرض عنها

(1) طبق پتري: هو صفيحة من الزجاج على شكل طبق يستعمل في جميع مختبرات العالم لإجراء التجارب المتعلقة بإنماء الكائنات الحية الدقيقة (الميكروية).
(2)  Lepers
(3)  Food and Agriculture Organization
(4) Sara Lee Corporation
(5) الكلاماري: حيوان بحري رخوي ينتمي إلى طائفة رأسيات الأرجل cephalopoda.
(6) شريحة لحم تحتوي على عظمة على شكل حرف T.
(7) شوارزينگر Schwarzenegger: هو بطل كمال أجسام أمريكي، أصبح فيما بعد ممثلا ثم رجل أعمال وإلى وقت قريب حاكما لولاية كاليفورنيا الأمريكية.
(8) الأسيتايل كولين acetylcholine: هو موصل عصبي لكل من الجملتين العصبيتين المحيطية والمركزية.
(9)  People for the Ethical Treatment of Animals

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق