Translate

الاثنين، 19 مارس 2012

طرق أفضل لاستهداف الألم

طرق أفضل لاستهداف الألم(*)
إن تعميق فهمنا للطرق الكيميائية التي يعمل بها كل من الأسپرين والفيوكس، قد يؤدي إلى إنتاج أدوية لتسكين الألم ذات مضاعفات جانبية أقل.
<G.ستيكس>


حاز <B.سامويلسون> جائزة نوبل في الفيزيولوجيا أو الطب عام 1982، وذلك عن أبحاثه في تقديم صورة دقيقة عن الكيفية التي يولّد بها الجسم الپروسَتگلندينات prostaglandins. وهذه المواد الشبيهة بالهرمونات تؤدي دورا في تنظيم عدد من السيرورات البيولوجية، بما في ذلك التحريض على الألم والحرارة والالتهاب. ومن المعروف أن هذه السيرورات تُثبَّط من قبل الأسپرين والإيبوپروفن والأدوية المشابهة لهما. وقد أجرى <سامويلسون> أبحاثه هذه، بالتعاون مع <S.برگستروم> [وهو شريك في جائزة نوبل للعام نفسه (1982)]، في حرم معهد كارولينسكا المعروف بآجره الأحمر في السويد، وهذا المعهد يقوم أيضا باختيار الفائز بجائزة نوبل السنوية في الطب.

إن لمعهد كارولينسكا تاريخا طويلا مع الپروستگلندينات، يعود إلى عام 1935 عندما اكتُشفت مشتقات هذه الأحماض الدهنية، ويمتد إلى يومنا الحاضر. لقد قام <سامويلسون> ومساعدوه في السنوات الأخيرة بأبحاث أكثر تفصيلا عن التركيبة البيوكيميائية للپروستگلندين تُستَغلُّ حاليا في محاولة لتطوير أدوية قاتلة للألم ومضادة للالتهاب أكثر أمانا من المواد المتوافرة حاليا، بما في ذلك المجموعة التي تشوهت سمعتها حديثا والمعروفة بالمثبطات COX-2. ويُعلق على ذلك  <سامويلسون> قائلا: «هناك طلب هائل على الأدوية المضادة للالتهاب، وإذا تمكنا من تطوير دواء له نفس فعالية العقاقير السابقة، لكن مع تأثيرات جانبية أقل، فإن هذا الأمر يغدو من الأهمية بمكان.»




الشجرة والفروع(**)

في البيان الصحفي الصادر عن معهد كارولينسكا عام 1982 تم الثناء على حصول <سامويلسون> على جائزة نوبل، واعتُرف بفضل هذا العالِم في المعرفة المتوافرة حاليا عن شجرة الپروستگلندين بجميع فروعها.» لقد بين <سامويلسون> أنه يتم تصنيع الپروستگلندين عندما يعالَج أحد الأحماض الدهنية (الحمض الأراكيدوني arachidonic acid) المتواجد في غشاء الخلية بالإنزيمات وفق سلسلة من التفاعلات (انظر المؤطر في الصفحة 56). وتُسفر هذه التفاعلات في النهاية عن مركبات تؤمن أعمالا تنظيمية مختلفة داخل الجسم، فتضمن على سبيل المثال، أن الكليتين تحصلان على تدفق كاف من الدم، أو تنظم تقلصات الرحم أثناء الولادة والحيض، أو تقدح زناد عملية الالتهاب (الذي يستدل عليه بالاحمرار والتورم) كارتكاس لحماية النسج من الخمج أو الأذى.

يقوم الأسپرين، والأدوية الأخرى المضادة للالتهاب غير الستيرويدية كالإيبوپروفن، بإيقاف مفعول الإنزيمين اللذين يعملان في أولى مراحل تشكيل الپروستگلندين: سيكلوأكسجيناز 1 و 2 (COX-1) و (COX-2) .وهكذا يتوقف إنتاج جميع مشتقات الپروستگلندين بكبح الإنزيمات COX.

إلا أن الأسپرين وأقرباءه relatives تسبب أحيانا مشكلات خاصة بها نتيجة لهذا الكبح الشديد. فعندما يقوم الأسپرين بتثبيط إنتاج الپروستگلندين المسؤول عن الالتهاب، فإنه يقوم في الوقت ذاته بتثبيط عمل واحد أو أكثر من مشتقات الحمض الأراكيدوني التي تحمي بطانة المعدة من حمض كلور الماء الموجود في العصارات الهضمية. وفي عام 1990 قامت شركات الأدوية بإجراء تصحيحي عندما أنتجت الدواءين فيوكس Vioxx وسليبركس Celebrex وأدوية أخرى تقوم بشكل خاص بحجب الإنزيم COX-2، بحيث تُترك سليمة بعض الپروستگلندينات الخاصة بحماية المعدة والتي تُفرَز استجابة لفعالية الإنزيم COX-1.

إلا أنه اتضح أن إعاقة الإنزيم COX-2 لها عواقبها الخاصة به. فهذا التعطيل على ما يظهر يوقع الفوضى في سلسلة من التفاعلات المعقدة بين الپروستگلندينات. فمع أن إيقاف عمل الإنزيم هذا ينقص من تصنيع الپروستگلندين(1) PGE2) E2) الذي يعتقد أن له دورا رئيسيا في تحفيز الألم والالتهاب، إلّا أنه يخفّّض كذلك من تصنيع الپروستاسايكلين(1) PGI2، وهو پروستگلندين واق للقلب يقوم بتوسيع الأوعية الدموية ويمنع الصفيحات من التكدس (أي إنه يقاوم التخثر). وهذا التخفيض قد يتسبب في نتائج خطيرة.

في عام 1999، ذكر <G.فيتزجيرالد> [من المركز الطبي بجامعة پنسلفانيا] في تقرير له نشر في «وقائع جلسات الأكاديمية الوطنية للعلوم بالولايات المتحدة الأمريكية» عن تجربة سريرية صغيرة أوضحت ظاهرة تثبيط PGI2. وبيّن <فيتزجيرالد> كذلك أنه عندما ينقص PGI2 بعد تناول مثبط الإنزيم COX-2، فإن الثرومبوكسان thromboxane، وهو نوع آخر من الپروستگلندين يتم إنتاجه في أقنية الحمض الأراكيدوني، يبقى فعالا ويحث على انقباض الأوعية وتكتل الصفيحات ـ الأمر الذي عادة ما يعاكسه PGI2. وأوضح التقرير أن عدم التوازن هذا قد يشجع على تشكل الخثرات thrombosis التي قد تؤدي إلى الهجمات القلبية والسكتات ـ وهو استنتاج المحامين في دعاوى قضائية ذاعت أخبارها وقد أثيرت في السنوات الأخيرة ضد مصنّعي الأدوية المثبطة للإنزيم COX-2. وقد بدأ <فيتزجيرالد> بتقديم تقارير عن اكتشافاته في المؤتمرات عام 1997، أي قبل سنة من الموافقة على أول مثبط الإنزيم COX-2، وهو الدواء سيليبركس Celebrex.


كيف ننتج أدوية أفضل من الأسپرين والفيوكس(***)

إن أحد مسببات الألم والالتهاب والحرارة في الجسم هو إنتاج كميات كبيرة من جزيء يدعى پروستگلندين PGE2) E2) (الخطوات 3-1 في الشكل) من قبل خلايا الالتهاب. يعمل الأسپرين Aspirin والکيوكس Vioxx وأنواع أخرى من الأدوية القاتلة للألم على تثبيط الإنزيمات التي تحفز تصنيع الپروستگلندين (المؤطران في الأعلى). ولكن بعض أنواع الپروستگلندينات والمواد الأخرى التي تنتجها هذه الإنزيمات هي مواد مفيدة، ويؤدي توقيف إنتاجها إلى مضاعفات جانبية. ولهذا فإن العاملين على تطوير الأدوية يدرسون وسائط جديدة، مثل مثبطات الإنزيم mPGES-1، التي تعيق فقط تركيب كميات زائدة من الإنزيم PGE2، وبذلك تسمح بتصنيع المواد المفيدة (المؤطر السفلي).
 

1- وتقوم معظم الخلايا بشكل روتيني بتصنيع البروستكلندين من خلال تفاعلات
تبدأ بإنزيم يدعي COX- 1 ويعمل علي الحمض الأراكيدوني Arachidonic Acid.فعندما يتعرض أحد النسج لأذية حادة، إشارة كيميائية إلي الخلايا البلعمية وإلي خلايا التهابية أخري في المناطق المجاورة لمكان الإصابة لزيادة نشاط الإنزيم COX- 2  الذي يؤثر أيضا في الحمض الأراكيدوني.
2- يقوم الإنزيمان COX -1  و COX-2  بتحويل الحمض الأراكيدوني في تفاعل مرحلي إلي مركب كيميائي وهو البروستكلندين (PGE2E2)
3- عقب ذلك  تقوم إنزيمات إضافية بتحويل البروستكلندينات PGH2 إلي بروستكلندينات أخري وإلي ثرومبوكسان، بحيث يكون لكل منها وظيفة خاصة بها (أسفل الشكل). وفي النهاية تنطلق جميع البروستكلندينات بما في ذلك PGE2الذي ينتج الألم – لتؤثر في الخلايا الأخري.



وعندما كانت مجموعة <فيتزجيرالد> تكشف عن إشارات التحذير الأولية بالأخطار المشار إليها، كانت مجموعة <سامويلسون> للأبحاث تجهد «لوضع ورقة جديدة» على أحد فروع شجرة الپروستگلندين. فقد تزعَّم أحد الزملاء المتخرجين في مختبر <سامويلسون>، ويدعى <J-.P.جاكوبسون>، مشروعا اكتشف من خلاله النسخة البشرية للإنزيم الذي ينتج PGE2. وانتهى ملخص البحث الذي نشر عام 1999 والذي شارك فيه <جاكوبسون> و <سامويلسون> وباحثون آخرون بعبارة مشجعة تقول إن الإنزيم المكتشف «هو هدف جديد ممكن لتطوير الأدوية.»

وقد استرعت هاتان المقالتان انتباه عالمين من معهد كارولينسكا كانا قد أنشآ شركة صغيرة أسمياها بَيوليپوكس Biolipox. وكانت هذه الشركة قد فتحت أبوابها في عام 2000 لتطوير أدوية مضادة للالتهاب في أمراض التنفس عن طريق معالجة صنف من المركبات البيوكيميائية (الكيمياوية الحيوية) اكتشفت حديثا تدعى إيوكسينات eoxins، وهي مشتقة أيضا من الحمض الأراكيدوني. وقررت الشركة بعد سنة أن  تنوع منتوجاتها، فحصلت من معهد كارولينسكا على رخصة الحماية الفكرية للإنزيم المسمى الإنزيم التركيبي للپروستگلندين E  الجسدي الميكروي(1)(mPGES-1) . هذا وإن أي دواء يعيق انتقائيا تصنيع الإنزيم لـ PGE2، يمكن أن يوقف الألم والالتهاب من دون تأثيرات جانبية هضمية أو قلبية وعائية، لأنه لن يخفض من مستويات PGI2. وتقول <Ch.إيدينوس> [المسؤولة العلمية الرئيسية في الشركة بيوليپوكس]: «لقد أدركنا أنه من الممكن أن يكون هذا مفيدا كجيل ثالث من مضادات الالتهاب اللاستيرويدية.»

تحرير المثبطات(****)

تقع الشركة بَيوليپوكس اليوم في بناء غير مميز يحتوي أيضا على المكتبة العلمية وقسم المعلوماتية البيولوجية والأقسام التدريسية التابعة لحرم معهد كارولينسكا. وقد عُين <سامولسن> مستشارا علميا وعضوا في مجلس إدارة هذه الشركة. وعقدت الشركة بوهرينگر إينگلهيم Boehringer Ingelheim، التي تُصنِّع دواء موبيك  Mobic المثبط للإنزيم COX-2 ، اتفاقية مع الشركة بيوليپوكس عام 2005 لتمويل الأبحاث المتعلقة بالإنزيم mPGES-1، ومن ثمّ الترخيص للمثبطات الجديدة من حيث التطوير النهائي والتسويق.

والسوق الأمريكي، الذي يستوعب سنويا ما ينوف ثمنه على العشرة بلايين دولار من الأدوية القاتلة للألم غير المخدرة، متحدا مع فادحة الإنزيم COX-2، جعل شركات أخرى توجّه اهتماما كبيرا للإنزيم. فقد نشرت الشركة ميرك دراسة عن مثبطات الإنزيم mPGES-1، وتقدمت الشركة فايزر pfizer بطلب براءة اختراع لفأر سُحبت منه الجينة المسؤولة عن عمل الإنزيمmPGES-1 ، الأمر الذي يساعد على فحص تأثيرات تثبيط هذا الإنزيم. كما تقدمت شركات أدوية كبيرة  للحصول على براءات اختراع متعلقة بالإنزيم mPGES-1. ويعلق <فيتزجيرالد> على كل هذا قائلا: «إن صفائح الأرض تتزحزح، فهناك اليوم سوق هائل لأدوية جديدة بسبب عدم الضمانة التي تتصف بها الأدوية المتوافرة حاليا.» وأضاف قائلا: «إن إحدى الشركات، التي لا يمكنني الكشف عن اسمها، تخطط للقيام في عام 2007 بتجارب بشرية سريرية خاصة بمثبط الإنزيمmPGES-1 .»  (وبشكل مستقل، تحاول شركات مصنعة أخرى تطوير أدوية تتحد مع مستقبلات PGE2 وتقوم مباشرة بإعاقة عملها).

إن المحن التي تعرض لها الدواء فيوكس قد تعيق الإسراع في تقديم أي دواء جديد مضاد للالتهاب إلى الأسواق، وفي الواقع، قام المشككون برفع أصواتهم. ففي عام 2006 نُشرت مقالة في مجلة «الاتجاهات الجديدة في العلوم الدوائية»(2) عنوانها: «هل الإنزيم mPGES-1 هدف واعد في علاج الألم؟». وقد أثارت إشكالية ما إذا كانت سيرورات الاستقلاب (الأيض) المعقدة للپروستگلندين ستحبط مساعي الوصول إلى دواء جديد. ووردت في المقالة ملاحظة أن تثبيط الإنزيم mPGES-1  قد يخفض من إنتاج PGE2، ولكنه قد يؤدي إلى إنتاجٍ أعلى من نوع آخر من الپروستگلندين، مع حدوث نتائج فيزولوجية غير معروفة. ثم إن معظم أنواع الپروستگلندين الأخرى، وليس فقط PGE2، تؤدي بعض الدور في إثارة الألم.

والتجارب السريرية الخاصة بتقدير درجة الأمان والفعالية على الجنس البشري هي وحدها القادرة على حل أي خلاف حول هذه المسألة. لكن الدراسات الأولية على الفئران التي  أُزيل من أجسادها الإنزيم PGES-1 تعطي بعض الأمل. وقد ذُكر في أحد التقارير الصادرة عن مجموعة <فيتزجيرالد> لعام 2006 أن الفئران التي نُزع منها الإنزيم mPGES-1 زادت فيها مستويات PGI2 المريحة للقلب، فيما ظل ثابتا مستوى الثرومبوكسان thromboxane الضار، وفي الوقت نفسه، بقيت قدرة الدم على التخثر وضغط الدم طبيعيين. وأوضحت دراسة لاحقة قام بها فريق <فيتزجيرالد> أن حذف الإنزيم  mPGES-1 قدم عددا من الفوائد الوعائية القلبية، ربما بسبب تنشيط .PGI2

وتستمر التجارب للحصول على مركبات تكرر تأثير إخماد الإنزيم  mPGES-1. وقد بدأت الاستعدادات للقيام بالخطوة الحساسة التالية، وهي الانتقال من التجارب على الفئران إلى الإنسان.


  مراجع للاستزادة 
 
Identification of human Prostaglandin E Synthase: A Microsomal, Glutathione-Dependent, Inducible Enzyme, Constituting a Potential Novel Drug Target. Per-Johan Jakobsson, Staffan Thorén, Ralf Morgenstern and Bengt Samuelsson in Proceedings of the National Academy of Sciences USA, Vol. 96, No. 13, pages 7220-7225; June 22,1999.

Is mPGES-1 a Promising Target for Pain Therapy? Klaus Scholich and Gerd Geisslinger in Trends in Pharmacological Sciences, Vol. 27, No. 8, pages 399-401; August 2006.

Deletion of Microsomal Prostaglnndin E Synthase-1 Augments Frostacyclin and Retards Atherogenesis. Miao wang, Alicia M. Zukas, Yiqun Hui, Emanuela Ricciotti, Ellen Puré and Garret A. FitzGerald in Proceedings of the National Academy of sciences USA,Vol.103,No.39, pages 14507-14512; 5eptember26, 2006.
 

(*) BETTER WAYS TO TARGEL PAIN
(**) The Tree and Its Branches
 Improving on Asprin and Vioxx (***)
(****) Unleashing Inhibitors


(1) سنرمز فيما يلي للپروستگلندين E2 بالرمز PGE2 وسنرمز للپروستاسايكلين بالرمز PGI2.
(2) microsomal prostoglandin E synthase
(3) Trends in Pharmacological Sciences
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق