Translate

الثلاثاء، 13 مارس 2012

إجراء جراحة على قلب نابض


إجراء جراحة على قلب نابض(*)
قد يكون إجراء جراحة المجازة الإكليلية عملية منقذة للحياة.
وحديثا ظهرت تقنيتان جراحيتان ستجعلان
هذه العملية أكثر أمانا وأقل تكلفة.
<C.بورست>

يتحتم على السيد پاتناكي أن يستريح بعد صعوده عدة درجات من السلم قبل أن يواصل صعوده إلى الطابق التالي. إنه يشعر وكأن فيلا يجثم على صدره. وينتج مثل هذا الألم من انسدادات (تضيقات) blockages في شرايينه الإكليلية (التاجية)، وهي الأوعية التي تغذي عضلة القلب بالدم الغني بالأكسجين. إنه بحاجة إلى جراحة المجازة الشريانية الإكليلية coronary artery bypass surgery؛ غير أنه لا يستطيع دفع تكاليف العملية والبقاء فترة طويلة في المستشفى. (تبلغ كلفة الجراحة والمستشفى في الولايات المتحدة مثلا نحو000 45 دولار، وتكلف ما يقرب من نصف ذلك في أوروبا).

أما السيدة ويلز Wales، وهي امرأة مسنة، فتعاني هجمات من الألم الصدري تقعدها عن العمل عقب قيامها بأقل حركة؛ فنهوضها وارتداؤها ملابسها يستغرقان منها ساعة على الأقل. إنها بحاجة ماسة إلى مجازة إكليلية. ولحسن حظها فإنها تعيش قرب مركز للرعاية القلبية، وسيتكفل التأمين الصحي بدفع تكلفة العملية. ولكن السيدة ويلز تعاني مشكلات رئوية ومرضا في الكلى؛ وكذلك تعرضت مؤخرا لحدوث سكتة دماغية stroke. ويرى جراح القلب أن إخضاعها لعملية المجازة سيعرضها إلى خطر شديد.

ويدير السيد برينِّك Brennick أعماله في مجال البرمجيات من مكتب في منزله. إنه بحاجة إلى مجازات لثلاثة شرايين إكليلية، ولكنه يخشى أن تؤدي العملية الجراحية إلى تعطيله عن العمل، بإنقاصها من مهاراته في البرمجة. فقد تُضعِف عمليات القلب أحيانا وظيفة الدماغ لدى المريض، ولهذا فلا يريد السيد برينِّك أن يتعرض لهذه المخاطرة. (يمثل پاتناكي وويلز وبرينك عينة تصور حالة مرضى كثيرين).

إن جراحة المجازة الإكليلية جراحة شائعة، ويخضع لها سنويا نحو  000 800 فرد في مختلف أنحاء العالم. ولكنها باهظة التكاليف ومحفوفة بالمخاطر. فمن أجل تحويل مسار مجرى الدم ليتجاوز نقاط الانسداد في الشرايين الإكليلية، يجب أن يغرس الجراحون طعوما grafts من أوعية دموية أخرى (مأخوذة من صدر المريض أو من ساقه) توصل بالوعاء المصاب، لتتجاوز مناطق الانسداد أو التضيق. ولكن عليهم قبل القيام بهذا العمل أن يفتحوا الصدر (وهو ما يسمى «شق» (فلق) cracking الصدر؛ إذ ينبغي نشر عظم القص بمنشار وفتح جوف الصدر واسعا). وبعد ذلك يجب إيقاف القلب نحو ساعة من الزمن، لأن الجراح ببساطة لن يستطيع أن يخيط بدقة الوعاء الدموي بالقلب إذا كان هذا القلب ينبض.

ومن الضروري وصل المريض بجهاز القلب-الرئة heart-lung machine خلال فترة إيقاف القلب، إذ يقوم هذا الجهاز بضخ الدم صنعيا ليدور مزودا نُسُج الجسم بالأكسجين إلى حين أن يعيد الأطباء تشغيل القلب. لقد افتتحت هذه الآلة المعقدة المتطورة حقبة الجراحة القلبية الحديثة منذ نحو 40 سنة. ولكن حتى يومنا هذا مايزال الدوران الصنعي للدم الذي يقوم به جهاز القلب-الرئة محفوفا بمضاعفات خطيرة، وبخاصة عند الشيوخ والمرضى الواهنين. إن استعمال هذا الجهاز هو السبب الأساسي وراء الإقامة الطويلة في المستشفى بعد العملية (تتراوح عادة بين 6 و 8 أيام)، التي تتبعها في الغالب فترة نقاهة في البيت مدة شهرين أو ثلاثة. إضافة إلى ذلك، قد يكون التعافي من عملية شق الصدر في حد ذاته بطيئا، مما يعرّض المرضى لبعض العداوى (الأخماج) infections أثناء فترة النقاهة ومن ضمنها الالتهاب الرئوي.

وفي منتصف عقد التسعينات، برزت تقنيتان جراحيتان تؤشران إلى حصول ثورة في جراحة المجازات الإكليلية. لقد بدأ الباحثون، وكنتُ منهم، بتفحص إمكان الاستغناء عن جهاز القلب-الرئة، وذلك بجعل الأطباء يجرون الجراحة فعليا على قلب نابض. وقامت فرق أخرى باستقصاء طرق لإجراء الجراحة التنظيرية (الجراحة بالمناظير) endoscopic surgery على القلب ـ وهي عملية لا تتطلب سوى إحداث بضعة شقوق بحجم ثقب مفتاح الباب في الصدر. وأتوقع أن تصبح جراحة المجازات الإكليلية خلال العقد القادم أكثر أمانا وأقل تكلفة على نحو مذهل، بفضل التقانات الحديثة.

إن ألم الصدر الذي يعانيه كل من پاتناكي وويلز وبرينك ناجم عن التصلب الشرياني (العصيدي) atherosclerosis، الذي يصيب الشرايين الإكليلية الرئيسية. فبمرور الزمن، قد تتراكم مواد مثل الكولستيرول على جدران الشرايين، تؤدي في النهاية إلى تضييق مجرى الوعاء، ويتفاقم هذا المرض تدريجيا. ولكن الملاحظ أن أهم شريان إكليلي قد تضيّق بنسبة 40 في المئة لدى 19 في المئة من  الذكور الأمريكيين الذين تتفاوت أعمارهم ما بين 30 و 35 عاما. وقد يشعر الناس في أواسط العمر ببعض الآلام في الصدر عندما يجهدون أنفسهم، لأن جريان الدم في الشريان الإكليلي يعجز عن إيصال الكمية الإضافية من الدم المطلوبة خلال الأنشطة المجهدة. ويمكن تشبيه الوعاء الدموي المسدود بخرطوم السقي في الحديقة الذي لا يستطيع رش الماء إذا وَطِئه أحد.

إن جراحة المجازة الإكليلية، كما يشاهد في الأعلى، تقتضي عادة «شق» الجوف الصدري للمريض، وإيقاف حركة القلب، والاعتماد على جهاز القلب-الرئة لضخ الدم والأكسجين. وقد يستغرق الشفاء من هذه الإجراءات أشهرا. لقد تحوّل الجراحون مؤخرا إلى جراحة القلب النابض والصدر المغلق كبدائل أكثر سلامة وأمانا.

وفي معظم الأحيان يؤدي ألم الصدر الناجم عن التصلب الشرياني (العصيدي) إلى إعاقة الفرد. وهناك الملايين في شتى أرجاء العالم مصابون بهذا المرض المهلك. وتقوم العوامل الوراثية بدور في استفحاله، غير أن للنظام الغذائي وأسلوب الحياة أهمية أيضا. ومع أنني أركز ـ في هذه المقالة وفي أبحاثي كذلك ـ على تحسين الإجراءات العلاجية لأمراض القلب الإكليلية، فإنني أريد أن أشدد على أن الوقاية من هذه الأمراض بتشجيع نظام التغذية الصحيح وممارسة الرياضة والابتعاد عن التدخين، يجب أن تكون الهدف الأساسي للمجتمع الطبي.

عندما يتم تشخيص ألم الصدر لدى مريض بأنه عَرَضٌ للتصلب الشرياني، فإنه يمكن النصح بتناول بعض الأدوية. وقد يختار بعض المرضى الرأب الوعائي angioplasty، وهو إجراء يولج فيه طبيب القلب بالونا صغيرا بشكل النقانق ضمن الشريان المتضيق، وعند نَفْخ البالون ينفتح الوعاء بمط جداره المصاب. وإضافة إلى ذلك، يمكن لإخصائي أمراض القلب أن يضع بنية معدنية صغيرة جدا، أي استنتا(1) (دعامة) stent، داخل الوعاء كي يبقيه مفتوحا. ولكن إخصائي القلب قد يتوقع في بعض الحالات عودة تضيق الوعاء بسرعة بعد إجراء الرأب الوعائي. ففي هذه الحالة تكون عملية المجازة الخيار الأفضل لإعادة الجريان الدموي بطريقة كافية إلى القلب. وتتضمن جراحة المجازة الإكليلية عادة اغتراس ما بين ثلاثة وخمسة أوعية ووصلها بشرايين القلب. ولإجراء كل غريسة في المجازة يجب أن يقضي الجراحون نحو 20 دقيقة يضعون فيها بتأن أكثر من 12 غرزة دقيقة تصل الغريسة بالشريان الإكليلي.

إن وصل القلب بمجازات يقتضي عادة وصل ثلاثة إلى خمسة أوعية بالشرايين الموجودة بحيث يتجنب جريانُ الدم عبر المجازة الانسدادات أو التضيقات. وبوسع الجراحين أن يستعملوا إما الطعوم الشريانية (الشرايين التي يعاد توجيهها من منطقة مجاورة للقلب)، وإما الطعوم الوريدية (شُدَف وريدية مأخوذة من الساق).

إن الحاجة إلى استخدام جهاز القلب-الرئة هي أكبر مصادر المضاعفات أثناء الجراحة القلبية. فلوصل المريض بهذه الآلة يجب على الطبيب إدخال أنابيب في الأوعية التي تحمل الدم من القلب وإليه، وأن يغلق الأبهر (الأورطى) aorta بملقط، ويحقن داخل الشرايين الإكليلية محلولا شالا للقلب cardioplegic؛ مما يوقف القلب عن النبضان. وقد يحرر هذا الإجراء المعقد جسيمات من الصفيحة التصلبية العصيدية الموجودة في جدار الأبهر، وهذا الحطام قد يؤدي إلى حدوث السكتة الدماغية إذا وصل إلى الدماغ. إضافة إلى ذلك، إن جهاز القلب-الرئة يوهن نظام الدفاع الطبيعي في الجسم، مما يفضي في معظم الأحيان إلى الحمّى وتضرر بعض الأعضاء وفقدان الدم؛ كما قد يترك المريض بعد العملية عاجزا على نحو مؤقت عن التنفس عفويا بلا عون يستمده من المِهواء(2) ventilator. وأخيرا، حينما يعاود القلب نبضانه، فإنه كثيرا ما يُظهر إشارات تدل على اضطراب وظيفته؛ فقد يعاني المريض انخفاضا في ضغط الدم ونقصا في جريان الدم في الجسم وقلة في إنتاج البول. وفي حالات نادرة يتعذر فطام المريض عن جهاز القلب-الرئة من دون استخدام مضخة آلية للحفاظ على ضغطِ دمٍ مقبول.

لقد أجريت عدة دراسات لإحصاء هذه الأخطار بصورة كمية؛ ولوحظ على نحو خاص زيادة احتمال الوفاة عقب جراحة المجازة الإكليلية مباشرة مع تقدم العمر. ففي الولايات المتحدة على سبيل المثال، يرتفع احتمال الوفاة من 1.1 في المئة عند من تتفاوت أعمارهم بين 20 و 50 سنة إلى 7.2 في المئة لمن تتراوح أعمارهم بين 81 و 90 سنة. ويعاني واحد من بين كل 3 مرضى إحدى المضاعفات على الأقل عقب العملية الجراحية. وقد بين تقرير صدر عام 1997، معتمدا على أكثر من  000 100سجل تأمين صحي في الولايات المتحدة، الأخطار التي يتعرض لها مرضى المجازة من عمر 65 عاما وما فوق، فتبين أن: 4 في المئة ماتوا في المستشفى، و4 في المئة خرجوا من المستشفى إلى دور النقاهة، و10 في المئة غادروا المستشفى بعد قضاء أسبوعين على الأقل فيه. إن فقدان الذاكرة وضعف الانتباه، إضافة إلى الضعف الجسمي والاكتئاب العاطفي، أمور تمنع المرضى من العودة إلى ممارسة نشاطاتهم الاعتيادية مدة شهرين أو ثلاثة أشهر على أقل تقدير.

يُستخدم جهاز القلب-الرئة في جراحة المجازات التقليدية التي يجب أن يوقف الأطباء أثناءها حركة القلب. ويوصل هذا الجهاز الدمَ والأكسجين إلى نُسُج الجسم. وتشمل المضاعفات المحتملة الناجمة عن استخدام هذه الآلة ازدياد مخاطر حدوث السكتة الدماغية والحمى والعدوى (الخمج) وفقدان الدم؛ إضافة إلى الحاجة إلى إبقاء المريض على مِهْواء اصطناعي مدة أطول.

وتتفاوت النتائج العملية التي تنطوي عليها هذه المخاطر المحتملة. فاحتمال ضرورة بقاء المريض مدة طويلة في المستشفى، وربما في وحدة العناية المركزة معتمدا على المِهواء، يزيد من رجحان كون الفاتورة النهائية باهظة لشخص كالسيد پاتناكي. كما أن الأشخاص الذين سبق لهم أن عانوا سكتة دماغية مثلا هم أكثر احتمالا للتعرض إلى سكتة دماغية أخرى أثناء العملية. وهذا هو السبب الذي حدا بطبيب السيدة ويلز أن ينصحها باجتناب جراحة المجازة. كما أن شبح فقدان الذاكرة الممكن يُفزع مرشحين لهذه العملية كالسيد برينك.

لقد تركزت بحوثي خلال ال15 سنة الماضية على استنباط طرق أفضل لمعالجة أمراض الشرايين الإكليلية. وأعتقد أنني وزملائي ـ باستخدامنا جهازا آليا لتثبيت(3) الأوعية المتضيقة أو المسدودة فقط، وليس القلب بأكمله ـ طورنا علاجا جراحيا محسَّنا وأقل كلفة لهذا الداء الشائع.

وفي ورشة عمل عقدت في فلوريدا في الشهر3/1993 للأطباء والباحثين المهتمين باستخدام الليزر في الطب والبيولوجيا، استمعت بشغف إلى<R .ساتاڤا> الذي كان حينذاك طبيبا في الجيش الأمريكي. لقد وصف مبادرة قام بها العسكريون لتصميم إنسالة(4) يستطيع الأطباء التحكم فيها من بعد للقيام بجراحة عاجلة (إسعافية) في ساحة المعركة. ودفعتني الصورة التي عرضها ساتاڤا لنموذج أولي prototype لهذه الإنسالة، إلى التفكير باستخدام إنسالات لإجراء عملية جراحية على قلب نابض داخل صدر مغلق. وحينما كنت أتقصى مقاربة إنسالية في الجراحة، بدأت أفكر بإمكان إنجاز العملية على قلب نابض من دون استخدام تلك الأجهزة المعقدة المكلفة.

يوقف جهاز الأخطبوط Octopus المثبت للقلب حركة منطقةٍ ما على سطح قلب نابض، وبذا يستطيع الجراحون أن يخيطوا طُعم المجازة بدقة. ويعتمد الأخطبوط الذي اخترعه كاتب هذه المقالة وزملاؤه على طريقة المص suction للتشبث بمنطقة صغيرة من القلب. وإن إحكام المقبض الأزرق يثبت الأخطبوط على الأداة المعدنية المستخدمة لإفساح فتحة الصدر (في اليسار). ومع أن القلب يستمر في النبضان بصورة طبيعية تقريبا، فإن موقع الطعم (في اليمين) يكاد يبقى ثابتا، مما يسمح للجراح بخياطة المجازة إلى الشريان المسدود أو المتضيق.

«الأخطبوط»(**)
في ربيع عام 1994 حاولت مع زميلي جراح القلب <L .W .E .يانسن> [من معهد القلب والرئة في أوترخت] أن نطبق طريقة إجراء جراحة على قلب نابض طورها في الثمانينات ـ على نحو مستقل ـ كل من <J.F.بينيتّي> [من مركز الجراحة القلبية الوعائية في بوينس آيرس] و<E.بافولو> [من كلية طب پاوليستا في الجامعة الفدرالية في ساوپاولو]. ونشر كل منهما تقريرا عن خبراته مع مرضى من البشر؛ في حين قمت مع يانسن بإجراء هذه العمليات على الخنازير في البدء.

لقد قام الطبيبان الأمريكيان الجنوبيان بتثبيت(5) منطقة صغيرة من سطح القلب، مما سمح لهما بخياطة المجازة الشريانية الإكليلية بنجاح. وضمِنا تثبيت المنطقة المطلوبة بمساعدة عدد من الغرز (القطب) المثبِّتة وُضعت في النسيج المجاور لموقع المجازة، وقام أحد مساعديهما بالضغط بيد ثابتة وهو ممسك بملقط جراحي كبير. وبتثبيت جزء صغير فقط من القلب النابض لا يتجاوز بضعة سنتيمترات مربعة، فإنهما بالكاد أعاقا عمل القلب كمضخة. ولكن جراحين آخرين وجدوا صعوبة في إتقان هذه الطريقة الرائعة البسيطة الرخيصة؛ ولهذا لم يجد بينيتي وبافولو في البداية إلا قليلا من المؤيدين.

وفي أحد أيام الشهر 5/1994 في مدينة أوترخت كنت أقوم بعملي كمساعد جراح مسؤول عن إمساك الملقط بثبات خلال عملية تجريبية على خنزير. ولسوء الطالع، أخفقنا في تثبيت منطقة القلب التي أردنا أن نضع طعم المجازة فيها تماما. ولكن الإخفاق أوحى  إليّ بفكرة جديدة؛ إذ رأيت أن بالإمكان الاستغناء عن الغرز (الخياطات) النسيجية واليد البشرية غير الثابتة، والاعتماد على أداة ميكانيكية جاسئة لتثبيت القلب. وتوالت أسابيع مثيرة استطاع فيها يانسن أن يركب ببساطة شديدة مجازات ممتازة على قلب نابض لخنزير بمساعدة نموذج أولي لمثبتات قلبية صممها الحرفي التقني< M.R.بيك>.

يُظهر المنظر المرئي أمام عيني الجراح أثناء عملية قلب إنسالية (في الأسفل) أداتين صغيرتين جدا تستخدمان لإجراء عملية مجازة إكليلية؛ كما تشاهد نماذج إضافية في الأعلى. وباستطاعة الجراحين رؤية ما بداخل جوف الصدر بفضل عدسات آلة التصوير التي أُدخلت عبر شق صغير بين الأضلاع. وتُترجم حركات يد الجراح على جهاز التحكم في الحاسوب إلى الأدوات الجراحية.

وبعد مدة وجيزة انضم زميلي، في أوترخت،<P.گروندمان> إلى فريقنا، واخترعنا المثبِّت القلبي الذي دعوناه «الأخطبوط» octopus، وهو أداة تستطيع تثبيت أي منطقة صغيرة من سطح قلب نابض [انظر الشكل في الصفحة 57]. وجاء الاسم من استعمالنا محاجم ماصة suction cups لربط الأداة بالقلب، وكذلك من كلمة Octopussy وهي اسم أحد خنازير المختبر (لقد أعطينا حيواناتنا كلها أسماء شخصيات من أفلام جيمس بوند). وقد استخدمنا الأخطبوط للمرة الأولى في عمليةِ مَجازة على إنسان في الشهر 9/1995. ومع حلول أواسط العام 2000 كان أكثر من   000 50 مريض في أنحاء العالم قد تمت معالجتهم بالأخطبوط. (أكثر من 400 منهم في أوترخت؛ وكان معدل الوفيات في هذه المجموعة المختارة من المرضى صفرا، سواء أثناء العملية أو حتى 30 يوما بعدها).

وكما يحدث غالبا في البحث العلمي الطبي، فإن باحثين آخرين قاموا ـ كل على حدة ـ بتطوير وسائل تثبيت آلية في تلك الأيام. وخلافا للأخطبوط الذي يتشبث بالقلب بوساطة المص، تعتمد معظم الأجهزة الأخرى على الضغط والاحتكاك. إنها تشبه ملقطا جراحيا كبيرا يضغط على القلب. ويتوافر في الوقت الراهن نحو 13 نمطا مختلفا من المثبتات الآلية المتاحة لجراح القلب. وفي عام 1994 تم إجراء أقل من 0.1 في المئة من العمليات الإكليلية في العالم من دون استعمال جهاز القلب-الرئة. وبلغت هذه النسبة نحو 10 في المئة عام 1999. ونتوقع أن يزيد الرقم على 50 في المئة عام 2005. إن إمكان إجراء الجراحة على قلب نابض سيجعل العمليات الإكليلية متيسرة للمرة الأولى لمرضى المستشفيات التي لا تملك وسائل متطورة كأجهزة القلب-الرئة، ولاسيما في الأقطار النامية.

وفي هذه الأثناء، أعطى الجراح الأرجنتيني بينيتي زخما جديدا لجراحة القلب النابض. لقد كان رائدا في إجرائه عملية اقتضت فتح شق محدود بطول 8 سنتيمترات بين الضلوع على الجانب الأيسر من الصدر، يمكن استعماله في حالة المرضى الذين يحتاجون إلى طُعْم مجازة واحد فقط على أكثر الشرايين الإكليلية أهمية في المنطقة الأمامية من القلب. ومع أن هذه العملية ماتزال تتطلب من الجراحين أن يباعدوا بين الضلوع المتجاورة، فهي أقل إيذاء على نحو كبير إذا ما قورنت بعملية شق الصدر وفتحه واسعا.

وسرعان ما أدرك عدد من الجراحين الآخرين ما لهذه الطريقة في جراحة القلب النابض من ميزات كامنة، ولا سيما<V.سوبرامانيان> [من مستشفى لينوكس هيل في مدينة نيويورك] و<M.ماك> [من مستشفى كولومبيا في دالاس]. وفي الشهر11/1994 قدم سوبرامانيان عرضا بالڤيديو لطريقته في ورشة عمل في روما. ونتيجة لذلك انتشرت «جراحة القلب النابض من خلال شق محدود» انتشارا سريعا في أرجاء أوروبا. إضافة إلى ذلك أورد<M.A.كالافيوري> [من مستشفى سان كاميلو دي ليليس في إيطاليا] بعدئذ ذكرا لمثل هذه النتائج الجيدة في عدد كبير من المرضى، حتى بدأت جراحة القلب النابض تستجلب الانتباه في أصقاع العالم. ومع بدء أول ورشة عمل دولية حول «الجراحة الإكليلية بحد أدنى من الإجراءات الباضعة (الراضّة) invasive»، التي عقدت في الشهر 9/1995 في أوترخت، كانت جراحة القلب النابض قد أجريت على آلاف المرضى.

وفي الوقت الراهن، لا يمكن لجراحة القلب النابض أن تحل على نحو كامل محل جراحة المجازة التقليدية التي ستبقى بالنسبة إلى العديد من المرشحين الخيار الأفضل. ولكننا مستمرون في تحسين طريقتنا. وتوسيع أنواع الحالات المرضية التي يمكن استخدامها فيها. فمثلا، حينما يحتاج شخص ما إلى مجازة تُجرى على القسم الخلفي من القلب (وهي حالة شائعة)، فغالبا ما تكون جراحة القلب النابض صعبة؛ إذ إن الوصول إلى القسم الخلفي يوجب على الجراح أن يرفع القلب جزئيا خارج  الصدر. وتؤدي هذه المناورة لدى تطبيقها على قلب فاعل إلى تشوه العضو بصورة واضحة، مما يؤدي إلى الإقلال من كمية الدم التي يضخها، ومن ثم حدوث هبوط خطر في ضغط الدم.

تتطلب أجهزة التحكم من بُعد من الجراح أثناء عملية المجازات الإكليلية الإنسالية (في اليسار) أن يجلس على بعد عدة أقدام من المريض. ويسمح جهاز المراقبة (في أعلى اليسار) لأعضاء الفريق الجراحي الآخرين بمراقبة كيفية سير العملية.

ولكن الباحثين اكتشفوا في السنوات القليلة الماضية عددا من الإجراءات البسيطة التي يمكن اتخاذها لتفادي تلك الخطورة. فلقد أظهر گروندمان في مختبرِي أن إمالة طاولة العمليات بمقدار 15-20 درجة نحو الأسفل، بحيث يصبح الرأس أخفض من الصدر، يساعد على منع هبوط خطر في ضغط الدم. كما وجد <R.ليما> [من مستشفى ريال پورتوگيز في البرازيل] طريقة بارعة أخرى لكشف القسم الخلفي من القلب من دون تعريض ضغط الدم لخطر شديد. وقد تبنى معظم الجراحين الآن تقنيته في استخدام الكيس التاموري pericardial sac المحيط بالقلب لرفع هذا العضو جزئيا خارج الصدر.

وبحلول أواسط عام 2000 كان ما يقرب من000 200 مريض قد خضعوا لجراحة المجازات على قلب نابض بمساعدة مثبت آلي. وأشارت المرحلة الأولى من دراسات المتابعة التي قمنا بها وتلك التي قامت بها مراكز أخرى، إلى تعرض هؤلاء الأشخاص لمضاعفات أقل أثناء الجراحة، كما أنهم احتاجوا إلى عدد أقل من عمليات نقل الدم، وبقوا على مهواء اصطناعي أو في قسم العناية المركزة وقتا أقصر، وأنهم غادروا المستشفى وعاودوا نشاطاتهم الاعتيادية على نحو أسرع من المرضى الذين أجريت لهم جراحة قلبية تقليدية. إضافة إلى ذلك، تظهر التقارير الأولية حول إجراءات المجازة المفردة أن التكاليف الكلية كانت أقل بمقدار الثلث تقريبا. غير أن جميع هذه الدراسات شملت مرضى اختيروا بعناية. ولهذا، فقد لا تمثل النتائج المجموعة العامة من المرضى الذين خضعوا لجراحة إكليلية. وإنني وزملائي بانتظار النتائج الحاسمة حول أخطار وفوائد الجراحة على قلب نابض، وهي التي ستتوفر لدى انتهاء التجارب السريرية العشوائية. ومن المفترض أن تكون تجربة الأخطبوط انتهت في هولندا في أواخر عام 2001.

جراحة ثقب المفتاح(***)
تكمن الميزة الكبرى لإجراء الجراحة على قلب نابض في عدم الحاجة إلى تشغيل جهاز القلب-الرئة. ولكن لسوء الطالع، تبقى الحاجة إلى فتح الصدر على نحو واسع العائقَ الكبير المرافق لجراحة المجازات التقليدية، غير أن  هذا قد يمكن التغلب عليه أحيانا. ففي جراحة البطن مثلا، يستطيع الأطباء إنجاز عمليات كاملة، كاستئصال المرارة، من خلال شق صغير بحجم ثقب المفتاح بفضل الجراحة التنظيرية (جراحة المناظير). وفي هذه الطريقة يُدخل الأطباء أنبوبا جاسئا موصولا بآلة تصوير ڤيديوية صغيرة جدا (منظار داخلي endoscope) عبر شق واحد، وتُدخَل الأدوات الجراحية اللازمة عبر شقين آخرين. وما يبثه الڤيديو من صور عبر المنظار هو الذي يرشد الجراح في حركاته. فلماذا إذًا لا نُجري عملية على القلب بطريقة يقل فيها البضع إلى الحدود الدنيا ومن خلال فتحات لا تتجاوز سنتيمترا واحدا بين الأضلاع؟

لقد حقق الباحثون في جامعة ستانفورد هذه القفزة عام 1991. وأدت مبادرة ستانفورد إلى تأسيس الشركة Heartport، ومقرها في كاليفورنيا. وهذه الشركة مكرسة لإجراء الجراحة القلبية التنظيرية في صدر مغلق وعلى قلب تم إيقافه والمريض موصل بجهاز القلب-الرئة.

ولكي يتم وصل مريض الشركة Heartport بجهاز القلب-الرئة وتوقيف قلبه دون فتح الصدر، تجب منابلة manipulation العديد من الأنابيب والقثاطير catheters اللازمة للعمل من المنطقة الأربية groin area. ولم يَسِرْ هذا الإجراء من دون مشكلات لدى المرضى جميعهم. وفضلا عن ذلك، تبين أن خياطة المجازة مهمة أكثر صعوبة. وقد أدت محدودية الأدوات المستعملة في الجراحة التنظيرية التقليدية، وحيز المناورة الضيق في الصدر المغلق إلى ضرورة ترك هذه المحاولات البدئية لإجراء العملية التنظيرية على القلب، وذلك بعد إجرائها لثلاثة مرضى فقط. ولم يستطع الجراحون خياطة الطعوم إلى الشرايين الإكليلية بطريقة موثوقة إلا بعد فتح شقوق أكبر تتفاوت بين 6 و9 سنتيمترات. وما إن حل منتصف العام 2000 حتى كان أكثر من 6000 من مرضى الشرايين الإكليلية قد عولجوا بهذه الطريقة.

ومن الناحية المثالية، يود جراحو القلب إجراء عملية المجازة بأقل درجة ممكنة من البضع، ويكون فيها الصدر مغلقا والقلب نابضا. ولكي يتفادى الباحثون القيود التي تفرضها الأدوات التنظيرية التقليدية، فقد بدؤوا باستخدام أجهزة الجراحة التنظيرية المعتمدة على الإنسالة. وفي هذه الأنظمة لا تُسيَّر الأدوات الجراحية مباشرة بيدي الجراح، بل عوضا عن ذلك تُحرَّك بإنسالة تُشَغَّل عن بعد، ويستطيع الأطباء رؤية جوف الصدر بثلاثة أبعاد، وتُترجم حركات أيديهم على جهاز التحكم في الحاسوب بدقة لتوجيه الأدوات الجراحية داخل الصدر. وفي الواقع، يُنقِّي الحاسوب هذه الحركات آليا لإزالة آثار اهتزاز اليد الطبيعي، وبذا تزداد فعليا درجة الدقة.

إن أوائل الجراحين الذين استفادوا من استخدام الإنسالة في العمليات الجراحية الإكليلية في صدر مغلق (ولكن بالاعتماد على جهاز القلب-الرئة) هم: <F.مور> و<V.فالك> و<A.دييگلر> [من مركز القلب في جامعة لايبزيگ]، و<A.كارپنتييه> و<D.لولميه> [من مستشفى بروسيه في باريس]. وفي عام 1998، وفي محاولة مستجدة لتطبيق الطريقة الأصلية للشركة Heartport المعتمدة على توقيف القلب، دمج هؤلاء الأطباء الطريقة المذكورة في ما يسمى نظام داڤنشي للجراحة التنظيرية الإنسالية الذي طورته الشركة Intuitive Surgical في كاليفورنيا.

وفي الشهر 9/1999 استخدم<D.بويد> [من المركز الصحي في جامعة غرب أونتاريو] جهاز الجراحة الإنسالي زيوس Zeus الذي طورته الشركة Computer Motion في كاليفورنيا لينجز أول عملية جراحية بمساعدة الحاسوب في صدر مغلق وعلى قلب نابض. ولكن عوضا عن الساعتين اللازمتين عادة لإجراء عملية مجازة مفردة وذات شق محدود على قلب نابض، فقد استغرق هذا العمل معظم ساعات النهار. ولكن الجراحين في خمسة مراكز (هي: ميونيخ، لايبزيگ، درسدن، لندن في أونتاريو، ولندن في إنكلترا) استطاعوا بحلول منتصف العام 2000 إنقاص الزمن في غرفة العمليات إلى ما بين 3 و 5 ساعات. وتحقق ذلك في نحو 25 عملية مجازة مفردة ناجحة كان الصدر فيها مغلقا والقلب نابضا.

من الأرجح أن تصبح التقنيات الإنسالية، كتلك اللازمة في العمليات على الصدر المغلق، جزءا لا يتجزأ من غرفة العمليات. ومع تقدم التقانة، فقد يتمكن الجراحون المقيمون residents يوما ما من ممارسة الجراحة الإكليلية التنظيرية، تماما كما يمارس الطيّار قيادة الطائرات. وقد يتمكن الأطباء من التدرب المسبق على العمليات القادمة. وباستطاعة مستجدات أخرى أن تزيد من سهولة المعالجة الجراحية لمرضى القلب الإكليلي. فهناك الآن مثلا وصلة «فورية» قيد التطوير ستسمح للجراحين بوصل مجازة سريعا وبدون خياطات (غرز).

وفي نهاية المطاف قد تصبح عملية المجازات الإكليلية طي النسيان. وفي هذه الأثناء على أية حال يبقى تحسين الجراحة الإكليلية مع جعل التكاليف معقولة هدفا مهما، ولا سيما أن مثل هذه التحسينات ستجعل المداخلات الجراحية على مرض القلب الإكليلي متوافرة في العالم لكل مريض يحتاج إليها. ولكن، بغض النظر عن التطورات الجديدة في التقنيات الجراحية، يجب أن تبقى الوقاية من مرض القلب الإكليلي في مقدمة الاهتمامات الطبية. 


 المؤلف
Cornelius Borst
أستاذ طب القلب التجريبي في المركز الطبي بجامعة أوترخت في هولندا. وبعد حصوله على الدكتوراه من جامعة أمستردام، عُيّن رئيسا لمختبر طب القلب التجريبي في أوترخت عام 1981. وتشمل اهتماماته البحثية الأخرى آليات التضيق الإكليلي الناجم عن التصلب الشرياني (العصيدي) وإعادة التضيق الذي يعقب عمليات الرأب الوعائي (رأب الأوعية).


مراجع للاستزادة 
MINIMALLY INVASIVE CORONARY ARTERY BYPASS GRAFTING: AN EXPERIMENTAL PERSPECTIVE. Cornelius Borst and Paul F. Grundeman in Circulation, Vol. 99, No. 11, pages 1400-1403; March 23, 1999.
MINIMALLY INVASIVE CARDIAC SURGERY. Edited by Robbin G. Cohen et al. Quality Medical Publishing,
 1999.
MINIMAL ACCESS CARDIOTHORACIC SURGERY. Edited by Anthony P. C. Yim et al. W. B. Saunders
 Company, 2000.
Scientific American, October 2000
 

(*) Operating on a Beating Heart.
(**) The"Octopus "  .
(***)Keyhole Surgery.
 

(1) دعامة أو جبيرة توضع داخل قناة مثل الحالب أو الإحليل أو المريء أو القناة الصفراوية أو الشريان لإبقائها مفتوحة. وينسب الاسم إلى الطبيبين الإنگليزيين C.R. Stent و A. Stent اللذين اكتشفا مادة جاسئة ذات خواص معينة تؤهلها للاستعمال في صنع هذه الدعامات. (التحرير)
(2) جهاز يساعد على التهوية الرئوية. (التحرير)
(3) stabilize
(4) robot وهي نحت من إنسان ـ آلي، ومنها robotic إنسالية.
(5) immobilize

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق