Translate

الاثنين، 19 مارس 2012

الألوان الخادعة والدماغ


 الألوان الخادعة والدماغ(*)
توحي خداعات بصرية جديدة بأن الدماغ
لا يفرق بين إدراك الألوان وإدراك الأشكال والأعماق.
<S.J.ويرنر> ـ<B.پينّا> ـ <L.سپيلمان>


تلقي أوراق الخريف و الأنعكاسات في الماه الينبوع ضوءا قويا على الطريقة التي تسهم بها الألوان في الإدراك الحسي للأشياء، إذ يختفي الكثير من العمق و التفاصيل في النسخة بالأبيض و الأسود للمشهد نفسه.


إن عالما بلا ألوان يبدو مفتقدا لعناصر مهمة، وهو هكذا بالفعل. فالألوان لا تمكننا فقط من رؤية العالم بدقة أكثر، ولكنها أيضا تضفي إليه خواصّ ناشئة عنها قد لا توجد من دونها. فالصورة الفوتوغرافية التي بالألوان في هذه الصفحة، على سبيل المثال، تظهر فيها الأوراق النباتية الخريفية في المياه الهادئة الرائقة لينبوع ومعها الصور المنعكسة للأشجار ولسماء الأصيل الداكنة الزرقة من خلفها على الماء. أما في الصورة الفوتوغرافية بالأبيض والأسود للمشهد نفسه، فإن الأوراق النباتية تبدو أقل وضوحا، وتكون السماء الداكنة الزرقة غائبة وانعكاسات الضوء ضعيفة، وتصعب رؤية المياه نفسها، وتختفي تماما الفروق في العمق الظاهر في ما بين السماء والأشجار والأوراق النباتية الطافية.

ولا يزال هذا الدور الذي يؤديه اللون وحتى الطبيعة الحقيقية للون غير مدركيْن جيدا. ويعتقد كثير من الناس أن اللون خاصية مميزة وأساسية للأشياء تعتمد كلية ً على الأطوال الموجية المعينة للضوء المنعكس منها. ولكن هذا الاعتقاد خاطيء، فاللون هو إحساس يحدث أو يتخلق في الدماغ؛ إذ لو كانت الألوان التي ندركها بحواسنا تعتمد فقط على الطول الموجي للضوء المنعكس منها لبدا أن ألوان الأشياء تتغير تغيرا مثيرا مع التغيرات التي تحدث في الإضاءة خلال النهار وفي الظلال. ولكن بدلا من ذلك يجعل نشاط الدماغ ألوان الأشياء ثابتة نسبيا على الرغم مما يحدث من تغيرات في البيئة المحيطة بها.

ويتفق معظم الباحثين الذين يدرسون الإبصار على أن الألوان تساعدنا على التمييز بين الأشياء عندما لا تكون الفروق في السطوع كافية لهذه المهمة، في حين ينزع البعض إلى القول بأن الألوان تَرَفٌ ولا حاجة فعلية إليها، إذ على الرغم من كل شيء يبلي الناسُ المصابون بالعمى اللوني التام وكذلك الكثير من أنواع الحيوانات بلاءً حسنا من دون مدى الإدراك اللوني الموجود لدى الغالبية من البشر. فالمسار المسؤول عن أداء وظيفة الملاحة والحركة في الدماغ، على سبيل المثال، يتسم أساسا بالعمى اللوني؛ كما يبدو أن الأشخاص الذين يصابون بالعمى اللوني إثر إصابتهم بسكتة دماغية يظل إدراكهم البصري طبيعيا من النواحي الأخرى. ولقد أخذت مثل تلك الملاحظات كدعائم لمفهوم الطبيعة الانعزالية للمعالجة اللونية الذي يقترح أن الألوان ليس لها أي دور في معالجة عمق الأشياء وشكلها، وأنها باختصار مختصة فقط بتدرج اللون وإشباعه وسطوعه.

ولكن دراسة الألوان الخادعة للبصر، أي التي ينخدع الدماغ برؤيتها، تثبت أن معالجة الألوان في الدماغ تحدث جنبا إلى جنب مع معالجة خواص الأشياء الأخرى، مثل الأشكال والحدود. لقد درسنا عددا من الصور الجديدة الخادعة للبصر التي ابتدعنا كثيرا منها في محاولتنا، طوال عقد من الزمن، تَبَيُّنَ كيف تؤثر الألوان في إدراك الخواص الأخرى للأشياء. ولقد أعانتنا هذه الصور الخادعة للبصر على فهم كيف تؤدي المعالجة العصبية للألوان إلى بزوغ خواص الأشكال والحدود. إلا أننا نحتاج إلى تذكر كيف يعالج الجهاز البصري البشري الألوان قبل أن نبدأ بمناقشة تلك الصور الخادعة للبصر.

المسارات المؤدية إلى الخداع البصري(**)

يبدأ الإدراك البصري بامتصاص الضوء ـ أو بشكل أكثر دقة بامتصاص مجموعات صغيرة منفصلة من الطاقة تسمى الفوتونات أو وحدات الكم الضوئي ـ بواسطة المخاريط والنبابيت الواقعة في الشبكية [انظر المؤطر في الصفحة 60]. تستخدم المخاريط للرؤية النهارية، أما النبابيت فهي مسؤولة عن الرؤية الليلية. يستجيب مخروط المستقبل الضوئي بحسب عدد الفوتونات التي يأسرها، وتنتقل استجابته إلى نوعين مختلفين من العصبونات يطلق عليها مصطلح الخلايا الثنائية القطب لبدء الاستثارة العصبية ووقفها. وبدورها تزود هذه العصبونات خلايا عقدية لبدء الاستثارة العصبية ووقفها، وهي واقعة جنبا إلى جنب في الشبكية، بزاد من الدفعات العصبية.

وللخلايا العقدية ما يسمى حقل استقبال مطوقا لمركز(1)، وحقل الاستقبال لأي عصبون متعلق بالإبصار هو مساحة من الفضاء في العالم المادي تؤثر في نشاط ذلك العصبون. ويستجيب العصبون ذو حقل الاستقبال المطوق لمركزٍ استجابات متفاوتة وفقا لكمية الضوء النسبية في مركز الحقل وفي المنطقة المحيطة بالمركز.


نظرة إجمالية/ رؤية الألوان(***)

لقد ظل الباحثون، الذين يدرسون عملية الإبصار، يعتقدون أن معالجة الألوان في الدماغ منفصلة عن معالجة ملامح الأشياء الأخرى، مثل العمق والشكل.
  ولكن دراسة الألوان الخادعة للبصر أثبتت أن إدراك الألوان يولد خواص الشكل والعمق الناشئة عنها.
  على وجه التخصيص، قام المؤلفون بتهيئة شكل اسمه الصورة الخادعة للبصر ل<إهرنشتاين> للكشف عن كيفية ارتباط ألوان الأشياء وأشكالها وهيئاتها بإدراك الدماغ للعالم المرئي.


يبين تأثير ألوان الماء ـ الذي يبدو فيه أن اللون الأفتح من أي لونين هو الذي ينتشر ـ كيف يمكن أن تكون الألوان مهمة في تحديد اتساع الأشكال وهيئتها. تظهر خريطة البحر الأبيض المتوسط، على الفور، عندما ينتشر اللون الخفيف الذي يبدو في البداية أنه يغطي البحر (في الأعلى) إلى نطاق اليابسة.


وتستثار الخلايا العقدية لبدء الاستثارة العصبية إلى أقصى حد وتطلق الدفعات العصبية بمعدل مرتفع، عندما يكون المركز أكثر إضاءة من المنطقة المحيطة به؛ وتقل استثارتها إلى حدها الأدنى وتطلق الدفعات العصبية بمعدل منخفض، عندما يكون حقل الاستقبال مضيئا إضاءة متماثلة. أما الخلايا العقدية لوقف الاستثارة العصبية فتسلك مسلكا مضادا، حيث تطلق الحد الأقصى من الدفعات العصبية عندما يكون المركز أكثر ظلمة من المنطقة المحيطة به، وتطلق الحد الأدنى من الدفعات العصبية عندما يكون المركز والمنطقة المحيطة به متماثلي الإضاءة. وهذا التضاد بين المركز والمنطقة المحيطة به يعني أن الخلايا العقدية تستجيب للتغاير، وبهذه الطريقة تزيد من شدة استجابة الدماغ للحافات والحدود.

تنقل محاوير الخلايا العقدية إشاراتها على مراحل إلى الدماغ، وبالتحديد إلى النواة الركبية البرانية (الوحشية) للمهاد (بالقرب من مركز الدماغ)، ومن هناك إلى القشرة المخية البصرية (عند مؤخر الدماغ). إن المجموعات المختلفة من الخلايا العقدية حساسة لصور مختلفة نوعا ما من المنبهات كالحركة والشكل، وتوصل أليافُها الإشارات بسرعات مختلفة، حيث تنتقل إشارات الألوان على سبيل المثال بواسطة الألياف البطيئة.

 ويعتقد أن حوالي 40 في المئة، أو أكثر، من الدماغ البشري يُستخدم في الإبصار. وتنتظم العصبونات في المناطق التي يتم تنبيهها مبكرا في أثناء المعالجة الإبصارية (وهي أجزاء من القشرة المخية البصرية تسمىV3 , V2 ,V1  ) في خرائط توفر تمثيلا لمجال الإبصار نقطة إلى نقطة. ومن هنالك تنتشر الإشارات البصرية إلى أكثر من 30 منطقة مختلفة متصلة معا بواسطة أكثر من 300 دائرة. وكل منطقة من هذه المناطق لها وظائف متخصصة، مثل معالجة الألوان والحركة والعمق والشكل، ولكنها لا تنقل حصريا خاصية إدراكية واحدة. وفي النهاية، تتجمع كل هذه المعلومات بطريقة ما في إدراك حسي متكامل للشيء ذي الشكل الخاص واللون الخاص. ولم يتمكن علماء الأعصاب حتى الآن من فهم تفاصيل كيفية حدوث ذلك.


رؤية الألوان(****)

يبدأ إدراك الألوان بامتصاص خلايا المخروط التي في شبكية العين للضوء (التفاصيل في الأسفل). يستجيب مخروط المستقبل الضوئي بطريقة واحدة فقط، ولكن نشاطه ينتقل بواسطة نوعين مختلفين من العصبونات يسميان الخلايا الثنائية القطب لبدء الاستثارة العصبية ووقفها، والتي بدورها تمد بالزاد(2) الخلايا العقدية لبدء الاستثارة العصبية ووقفها. وتنقل محاوير الخلايا العقدية إشاراتها إلى الدماغ على مرحلتين؛  أولا إلى النواة الركبية البرانية (الوحشية)، ومن هنالك إلى القشرة المخية البصرية.



ومن المثير للاهتمام أن إصابة مناطق إبصارية معينة على جابني الدماغ بالتلف تؤدي إلى حدوث عجز في إدراك الأشكال وكذلك الألوان، وهذا دليل آخر على أن لون الشيء ليس منفصلا عن خواصه الأخرى. ويمكن أن يؤدي تمازج الإشارات اللونية في الدماغ مع الإشارات الناقلة للمعلومات المتعلقة بأشكال الأشياء إلى إدراكات حسية غير متوقعة من تحليل أطوال موجات الضوء المنعكس من تلك الأشياء ـ كما أوضحت ذلك بشكل مذهل صورنا الخادعة للبصر.

تأثير ألوان الماء(*****)

لقد أوضحت واحدة من تجاربنا المبكرة مع الألوان الخادعة للبصر كيف يمكن أن تكون الألوان مهمة لتحديد مساحة أي شكل من الأشكال وهيئته بدقة. يمكن أن يتغير لون الشيء في حالات معينة استجابة للون المحيط به، بحيث يصير أكثر اختلافا عنه (ويسمى ذلك تغايرا أو تباينا) أو أكثر مشابهة له (ويسمى ذلك تشابها أو تماثلا). وقد وُصِف حدوث انتشار اللون المشابه فقط عبر مساحات ضيقة، متوافقا مع النتائج البحثية التي وجدت أن غالبية الاتصالات في ما بين العصبونات الإبصارية في الدماغ ذات مدى قصير نسبيا. لذلك اندهشنا حين وجدنا أنه عندما تكون مساحة غير ملونة مطوقة بخطي حدود كفافيين مختلفي اللون ـ بحيث يكون الخط الكفافي الداخلي أفتح من الخط الكفافي الخارجي ـ فإن لونا خفيفا ينبعث من الخط الكفافي الداخلي منتشرا عبر تلك المساحة بأكملها، بل حتى عبر مسافات طويلة إلى حد ما [انظر الشكل في الصفحة 59].

ولما كان اللون يشبه نسيجا شفافا باهتا كالذي نراه في صورة بألوان الماء، سمينا هذه الصورة الخادعة للبصر تأثير ألوان الماء. لقد وجدنا أن انتشار اللون يتطلب أن يكون خطا الحدود الكفافيين متماسين، بحيث يمكن أن يؤدي اللون الداكن دور الحاجز الذي يسمح بانتشار اللون الفاتح على الداخل في الوقت الذي يحول فيه دون انتشاره للخارج. ويبدو الشكل المحدد باللون المائي الخادع للبصر كثيفا ومرتفعا ارتفاعا طفيفا، ولكن حينما ينعكس لونا الخط الكفافي المزدوج تبدو هذه المنطقة نفسها بيضاء بياضا باهتا ومرتدة ارتدادا طفيفا.
إن تأثير ألوان الماء يحدد ما الذي سيصبح شكلا وما الذي سيصير أرضية ground بقوة أكثر حتى من الخواص التي اكتشفها علماء النفس الجشطلت(3) عند بداية القرن العشرين، مثل القرب والامتداد الأملس والإغلاق والتماثل وهلم جرا. إن جانب الخط الكفافي المزدوج ذا اللون الفاتح يملأ ما بداخله باللون المائي ويتم إدراكه كشكل، في حين يُدْرَك الجانب ذو اللون الداكن كأرضية. ويساعد عدم التماثل هذا على إبطال الالتباس. وتذكرنا هذه الظاهرة بنظرية <E.روبين> [أحد رواد أبحاث الشكل والأرضية] التي تنص على أن الحد ينتمي إلى الشكل وليس إلى الأرضية.

وهناك تفسير عصبي لصورة ألوان الماء الخادعة للبصر، وهو أن المجموعة المؤتلفة من خط كفافي فاتح اللون مطوق بخط كفافي داكن اللون (حتى على خلفية أفتح لونا) تنبه العصبونات التي تستجيب فقط لخط حدود كفافي فاتح اللون من الداخل أكثر من الخارج، أو لخط كفافي داكن اللون من الداخل أكثر من الخارج، ولكن ليس لكليهما. وعلى الأرجح تُكوَّد(4) ملكية الحدود في مراحل مبكرة من المعالجة الإبصارية في القشرة المخية البصرية، كما في منطقتي الدماغ V1 ،V2  . وفي التجارب التي أجريت على النسانيس، وجد علماء الفزيولوجيا العصبية أن ما يقرب من نصف عدد العصبونات الموجودة في القشرة المخية البصرية يستجيب لاتجاه التغاير (سواء أأصبح اللون فاتحا أكثر أم داكنا أكثر)، ولذلك يمكنها أن تعيّن بدقة حدود الشكل. كما أن لهذه العصبونات نفسها دورا في إدراك العمق الذي يمكن أن يسهم في فصل الشكل عن الأرضية.

لقد أظهرت استقصاءاتنا أن الخطوط المتعرجة تحدث انتشارا أقوى لألوان الماء مما تحدثه الخطوط المستقيمة، ربما لأن الحدود المتموجة تُشغِّل عددا أكبر من العصبونات الحساسة والسريعة الاستجابة للتوجيه. ولابد أن الإشارات اللونية المنبعثة من هذه الحافات غير المستقيمة تنتشر عبر مناطق القشرة المخية التي تخدم مساحات واسعة من مجال الإبصار، بحيث يستمر انتشار اللون إلى أن توفر الخلايا الحساسة للحدود الموجودة على الجانب الآخر من المنطقة المطوقة حاجزا يمنع تدفق اللون. وهكذا يكون اللون والشكل مرتبطين معا ارتباطا معقدا لا ينفصم في الدماغ والإدراك الحسي عند هذا المستوى من التحليل القشري المخي.

خطوط شعاعية(******)

تقدم صورة الخطوط الشعاعية الخادعة للبصر مزيدا من الأدلة على الدور الذي يؤديه اللون في تمييز الشكل من الأرضية. لقد أثبت عالم النفس الألماني<W.إهرنشتاين> في عام 1941 أن رقعة دائرية ساطعة تملأ بوضوح الفجوة المركزية الموجودة بين مجموعة من الخطوط الشعاعية. ولا يوجد أي ارتباط بين الرقعة والحد الدائري المحدد لها وبين المنبه المادي، فهما انطباعان خادعان متولدان منه. ويبدو السطح الساطع الخادع للبصر واقعا أمام الخطوط الشعاعية بمسافة طفيفة [انظر الشكل العلوي في هذه الصفحة].

ويحدد طول الخطوط الشعاعية وعرضها وعددها وتباينها شدة هذه الظاهرة. ويقتضي الترتيبُ المكاني للخطوط اللازم ليصبح الخداع البصري نافذ المفعول وجودَ عصبونات تستجيب لنهايات الخطوط. لقد تم تعيين هذه الخلايا، التي تسمى الخلايا المتوقفة الاستثارة، في نهايات الخطوط التي يمكن أن تفسر هذا التأثير في القشرة المخية البصرية. وتتحد هذه الإشارات الموضعية لتصبح زادا لعصبونات أخرى (من المرتبة الثانية) تملأ المساحة المركزية بسطوع زائد.


يوفر شكل  إهرنشتاين الذي طوره عالم النفس الألماني< W.إهرنشتاين> في عام 1941، أساسا للخداعات البصرية التالية. تؤدي إضافة دائرة (كما في الشكل السفلي) إلى تلاشي الخداع البصري الذي يجعلنا نرى قرصا مركزيا ساطعا.


1-تملأ رقع دائرية ساطعة الفجوة المركزية لشكل إهرنشتاين الذي تم تعديله لزيادة هذا الخداع البصري.


2-تحريض على إحداث سطوع شاذ: إن إضافة حلقات ملونة تجعل الرقع الخادعة للبصر تبدو أكثر بياضا.


3-بريق متلأليء: تسبب الأقراص الرمادية ملء الفجوة المركزية برقع دائرية وامضة.


4-التحريض على ظهور سواد شاذ: تبدو الأقراص السوداء داخل حلقات ملونة أكثر سوادا من المنطقة المحيطة بها والمتطابقة معها ماديا.


5-التغاير اللوني الشاذ الوامض: تبدو الأقراص الرمادية المطوقة بحلقات أرجوانية كأضواء وامضة لونها أصفر مشوب بخضرة عندما يتحرك النموذج أو تتحرك العين للخلف وللأمام.


لقد قمنا في دراساتنا للصورة الخادعة للبصر ل<إهرنشتاين>، بتقييم التغييرات في عدد الخطوط الشعاعية وطولها وعرضها. والأمثلة التي نعرضها في هذه المقالة تستخدم فيها المجموعة المؤتلفة من التغييرات التي وجدناها الأكثر لفتا للنظر [انظر الأشكال المرقمة]. ولزيادة التأثيرات قمنا بعرض أربع نسخ من كل نموذج منظمةً كمجموعة. وبمجرد أن استطعنا تحديد خصائص الخطوط الشعاعية التي تنتج الدائرة المركزية الأكثر سطوعا 1، قمنا بالتجريب مع تغيير الخواص اللونية للفجوة المركزية. فقمنا أولا بإضافة حلقة سوداء إلى شكل إهرنشتاين فاختفى سطوع الفجوة المركزية تماما وتلاشى الخداع البصري، وهو ما لاحظه <إهرنشتاين> سابقا وأشار إليه. ونحن نشتبه في أن هذا التأثير ينشأ لأن الحلقة تسكت الخلايا التي تبلغ بالإشارات نهايات الخطوط.

أما إذا كانت الحلقة ملونة، فيمكن أن تستثار خلايا أخرى بهذا التغير. فعندما أضفنا حلقة ملونة لم يَبْدُ القرص الأبيض أكثر سطوعا ولمعانا (مضيئا إضاءة ذاتية) مما كان عليه في شكل إهرنشتاين فحسب، بل كان له أيضا مظهر كثيف كما لو أن عجينة بيضاء قد وُضِعت على سطح الورقة  2. لقد أثارت هذه الظاهرة دهشتنا، حيث إن الإضاءة الذاتية وخواص السطح لا تظهران معا عادة، بل تعتبران أيضا شكلين للمظهر متعارضين أو مانعين بالتبادل. لقد أطلقنا على هذه الظاهرة مصطلح التحريض على السطوع الشاذ، ورشحنا الخلايا الموجودة في المناطق القشرية المخية الأولية لتكون مسؤولة عن هذا الخداع البصري، كما في تأثير ألوان الماء.

بعد ذلك قمنا بإدخال قرص رمادي في الفجوة المركزية لشكل إهرنشتاين 3، فنشأت ظاهرة أخرى أُطلق عليها مصطلح البريق المتلأليء والتي يفسح فيها السطوع الخادع للبصر المجال لإدراك وميض لامع يحدث مع كل حركة للنموذج أو العين. ويمكن أن يحدث التلألؤ أو اللمعان نتيجة التنافس بين جهازي بدء الاستثارة العصبية ووقفها؛ فيتنافس السطوع الذي تحرض عليه الخطوط (تزايد متوهم) مع اللون الرمادي الداكن للقرص (تناقص مادي). وعندما قمنا باستبدال الأقراص المركزية البيضاء داخل الحلقات الملونة بأقراص سوداء مع استخدام خلفية محيطة سوداء 4 ، بدت الأقراص داكنة أكثر حتى من المساحة المحيطة بها والمطابقة ماديا لها. وبدلا من ظهورها مضيئة إضاءة ذاتية مثل الأقراص البيضاء، يحدث السواد فيما يبدو فجوة أو ثقبا أسود يمتص جميع الضوء.

عندما كان القرص المركزي داخل الحلقة الملونة رماديا بدلا من أن يكون أبيض أو أسود، فقد ظهر وكأنه أصبح ملونا باللون المتمم للون الحلقة، فتلون على سبيل المثال بلون أصفر ضارب إلى الخضرة عندما كانت الحلقة المطوقة له أرجوانية اللون 5 . إضافة إلى ذلك بدا أن القرص يلمع مع كل حركة للعين أو عند تحرك النموذج للخلف أو للأمام؛ كما بدا أنه يتحرك بالنسبة إلى المنطقة المحيطة به. ويعتمد التغاير اللوني الشاذ الوامض على الخطوط الشعاعية والحلقة الملونة مثله مثل التأثيرات الأخرى، ولكن له أيضا خواص فريدة ليست فيما يبدو مجرد مجموعة مؤتلفة من التأثيرات المعروفة الأخرى. ففي هذا الخداع البصري، يبدو اللون المُحْدَث مضيئا إضاءة ذاتية ومتلألئا، كما يبدو طافيا فوق بقية الصورة على نحو لافت للنظر، ولا يختلط لون السطح مع اللون المضيء إضاءة ذاتية، ولكن بدلا من ذلك ينتمي أحدهما إلى القرص الظاهر في الصفحة وينبعث الآخر من اتحاد الخصائص الأخرى للمنبهات.

في التغاير اللوني الشاذ الوامض، يمكن أن تنشط الخطوطُ الشعاعية العصبوناتِ الموضعية المتوقفة الاستثارة بنهايات الخطوط، مثل ما اقتُرح بالنسبة إلى تزويد الفجوات بخطوط كفافية خادعة للبصر، ولكن تنشيط هذه الخلايا لا يفسر تفسيرا كاملا الظهور المشترك للوميض واللون المتمم. وليس واضحا فيما إذا كان للخطوط الشعاعية تأثير مباشر في التغاير اللوني أم أن زهو اللون مشتق، على نحو غير مباشر، من التلألؤ والبريق اللذين تسببهما المجموعة المؤتلفة من الخطوط الشعاعية والمركز الرمادي.

إن الفهم الحالي للدماغ لا يستطيع تفسير جميع الأمور التي تحدث في هذا الخداع البصرى، وإن تعقيد هذا الخداع البصري يوحي بأن حدوثه نتيجة عملية منفردة متكاملة أمر بعيد الاحتمال، ولكنه قد يمثل محاولة من قبل الدماغ للتوفيق بين الإشارات المتنافسة الواردة من العديد من المسارات المتخصصة. ولهذا من الواضح أن على العلماء اكتشاف المزيد عن كيفية إدراك الدماغ للعالم المادي. ولحسن الحظ سوف يستمر العمل المتقدم على الألوان الخادعة للبصر لاقتراح مدخل مثير إلى تعقيدات جهاز الإبصار البشري.    


المؤلفون

Jahn S. Werner - Baingio Pinna - Lother Spillmann

  عملوا على الصور الخادعة للبصر التي عرضت في هذه المقالة على مدى العقد الماضي. حصل <ويرنر> على الدكتوراه في علم النفس من جامعة براون وأجرى أبحاثه في معهد الإدراك الحسي ـ TND بهولندا، وهو الآن أستاذ في جامعة كاليفورنيا بديفيز. أما <پينا> الأستاذ في جامعة ساساري بإيطاليا، فقد تلقى تعليمه الجامعي ودراساته العليا في جامعة Padua. أما <سبيلمان> [وهو رئيس مختبر الفيزياء النفسية البصرية في جامعة فريبورج بألمانيا] فقد أمضى سنتين في معهد ماساتشوستس للتقانة وخمس سنوات في مؤسسة الشبكية Retina ومستشفى ماساتشوستس للعين والأذن. وقد ابتدع كل من <پينا>و<سبيلمان> صورا من الخداع البصري تعرض في قاعة الاكتشافات العلمية بسان فراسيسكو.
 

  مراجع للاستزادة 
 
Sensory Experience , Adaptation and Perception . Edit Lothar Spillmann and Bill R. Wooten . Lawrence Erlbaum Associates , 1984 .

Vsual Perception : the Neurophysiological Foundations . Edited by Lothar Spillmann and John S. Werner . Academic Press,1989 .

Neon Color Spreading : A Review .P. Bressan , E. Mingolla, L. Spillmann and T. Watanbe in Perception , Vol 26 No . 11 pages 1353-1366 ; 1997.

The Watercolor Effect : A new Principle of Grouping and Figure – Ground Organization . B . pinna , J .S. Werner and L. Splimann in Vision Research , Vol 43 ,No 1 , pages 43-52 January 2003 .

The Visual Neurosciences . Edited by L.M. Chalupa and J.S Werer . MIT Press 2004 .

Figure and Groud in the Visual Cortex : V2 Combines Stereoscopic Cues with Gesalt Rules . F.T.Qiu and R . von der Heydt in Neuron , Vol 47 , No 1 pages 155-166 ; July 7-2005.

The Watecolor lllusion and Neon Color Spreading ; A Unified Analysis of new Cases and Neural Mechanisms . B.pinna and S. Grossberg in Journal of the Optical Society of America , Vil 22, No 10 , pages  2207-2221; 2005.


(*)ILLUSOR COLOR THE BRAIN
(**)Pathways to Illusions                                                       
(***)Overview/ Color Vision                            
(****)Seeing Color
(*****)The Watercolor Effect
(******)Radial Lines


(1)center-surround recepter field            
(2)inputs
(3) Gestalt psychologists
(4)encode

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق