Translate

الثلاثاء، 13 مارس 2012

مقاومة المضادات الحيوية: عدو بداخلنا

مقاومة المضادات الحيوية: عدو بداخلنا(*)
نوع جديد من مقاومة المضادات الحيوية ينتشر
حول العالم قد يجعلنا في وقت قريب عاجزين عن الدفاع
عن أنفسنا في وجه طيف واسع ومخيف من الإنتانات(1) البكتيرية.
<M. ماكينا>

باختصار
   نمط جديد من المقاومة نشأ بين مجموعة من البكتيريا التي تشكل تحديا خاصا، وتدعى سلبيات الغرام gram-negatives، وهو يهدد بتحويل العديد من أنواع الإنتانات الشائعة إلى إنتان غير قابل للعلاج.

   الجينات البكتيرية المسؤولة تجعل البكتيريا مقاومة للكارپينيمات، وهي مجموعة من المضادات الحيوية يُطلق عليها الملاذ الأخير. ويُطلق على أهم جينين ينقلان المقاومة اسم NDM-1 و KPC.

   المقاومة للكارباپنيم في البكتيريا السلبية الغرام تثير القلق، على وجه الخصوص، لأن هذه البكتيريا موجودة في كل مكان وهي تتناقل الجينات بسهولة. إضافة إلى ذلك، لم تطور أدوية جديدة لمقاومة هذه البكتيريا بعد.

   هذا الحشد من العوامل يعني أن هناك عددا من الأشخاص في المستشفيات وفي المجتمع، على العموم، قد يموتون بسبب أنواع من الإنتانات الجديدة غير القابلة للعلاج تصيب المسالك البولية والدم وغيرها من الأنسجة.

في أوائل صيف عام 2008 تلقّى <T. وولش> [من جامعة كاردِف في ويلز] رسالة عبر بريده الإلكتروني من أحد معارفه <C. جيسك>، وهو طبيب وعضو هيئة تدريس بمعهد كارولينسكا في السويد. كان <جيسك> يعالج رجلا في التاسعة والخمسين من العمر أُدخل المستشفى في الشهر 1/2011 في أوريبرو، وهي مدينة صغيرة تبعد نحو 100 ميل عن استوكهولم. هذا الرجل كان يعاني داء السكري منذ سنوات وأصيب بعدة سكتات دماغية، ومؤخرا أصيب بتقرحات فراش عميقة. ولكن هذه الأمور لم تكن موضوع رسالة <جيسك>. ما أقلقه هو البكتيريا bacterium التي ظهرت بشكل غير متوقع في المزرعة الروتينية لبول الرجل. هل سيكون <وولش> - الذي يدير مختبرا يحل ألغاز التركيبة الوراثية للبكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية – مستعدا لإلقاء نظرة على هذه الجرثومة؟
وافق <وولش> وأجرى على الجرثومة المعزولة أكثر من اثنتي عشرة مقايسة assays. إنها من نوع كلبسيلاّ نيموني (الكلبسيلة الرئوية) Klebsiella pneumoniae، وهي البكتيريا التي تسبب معظم الإنتانات الرئوية pneumonia والدموية عند مرضى المستشفيات. إلا أن هذه السلالة ضمّت شيئا جديدا، وهو جين لم يره <وولش> من قبل. وهذا الجين يجعل الكلبسيلا، المقاومة أصلا لكثير من المضادات الحيوية المستخدمة في طب العناية المركزة، غير حساسة للمجموعة الوحيدة من المضادات الحيوية antibiotics التي يمكن أن يعوّل عليها بشكل آمن وهي الكارباپينيمات(2)، وتُدعى أدوية الملاذ الأخير. إن الدواء الوحيد الذي وجد الباحثون أنه يؤثر في هذه السلالة المقاومة من الكلبسيلا هو الكوليستين colistin، وهو دواء لم يعد مستخدما منذ سنوات بسبب تأثيراته السُميّة في الكليتين. سمّى <وولش> الإنزيم الذي ينتجه الجين (نيودلهي ميتاولو- بيتا-لاكتميز(3) أو NDM-1) نسبة إلى المدينة التي أصيب فيها الرجل بالإنتان قبل أن يعود إلى بلده السويد.

فكّر <وولش> في أنه إذا كانت هناك حالة من هذا النوع فعلى الأرجح وجود حالات أخرى، وبدأ هو و <جيسك> مع آخرين بالبحث عن هذه الحالات. وفي الشهر 8/2010 نشروا نتائج بحثهم في مجلة لانست للأمـراض الإنتانيـة LID : لقد وجدوا 180 مريضا يحملون هذا الجين. كان الجين NDM-1 قد انتشر في جرثومة الكلبسيلا في الهند وباكستان وانتقل مؤخرا إلى المملكة المتحدة بواسطة مقيمين سافروا إلى جنوب آسيا طلبا للرعاية الطبية أو لزيارة أصدقائهم وعائلاتهم. والأسوأ من ذلك، أن هذا الجين انتقل في بعض الحالات إلى بكتيريا من جنس آخر – من الكلبسيلا إلى الإشريكية القولونية Escherichia Coli، التي تعيش في أمعاء جميع الكائنات ذات الدم الحار، وهي موجودة في كل مكان في بيئتنا. هذا الانتقال يزيد من إمكانية عدم خروج الجين من دائرة المستشفيات والإنتانات التي تحدث فيها، وتحركه بصمت خلال الحياة اليومية للناس في كل أنحاء العالم محمولا في بكتيريا تقطن في أمعاء الأشخاص العاديين، ومنتشرا بشكل خفي عبر المصافحة والتقبيل وقبضات الأبواب.
أثار هذا الاكتشاف احتمالا آخر: هذا التوازن الدقيق والمتذبذب ما بين الجراثيم bugs والأدوية، الذي بدأ منذ عام 1928 مع اكتشاف الپنسلين penicillin، كان سيميل إلى صالح البكتيريا. وإذا كان هذا ما سيحدث حقا، فإن الإنتانات القاتلة التي حدّت منها المضادات الحيوية لعقود ستعاود الظهور للانتقام.

أصول الجراثيم الرديئة
روليت(4) المقاومة(**)
   إن الاستخدام المتواصل للمضادات الحيوية، والذي عزّز المقاومة للأدوية بين أنواع البكتيريا، أنتج تهديدا جديدا مميتا. إن السلالة الجديدة، المصورة فيما يلي، بدأت بعدد قليل من البكتيريا كلبسيلا الحاملة للجين KPC، مما جعلها غير حساسة للمضادات الحيوية المعروفة بالكارباپينيمات. إن عدة جولات من العلاج غير الفعال أفسحت المجال أمام الجين KPC لكي يتكاثر. وما يقلق أكثر، كما هو مبين في اليمين، هو أن الكلبسيلا وغير ها من البكتيريا السلبية الغرام تتبادل بسهولة الجين KPC وجينات المقاومة الأخرى عبر الأنواع مما يجعلها مقاومة لكل الأدوية.
   العلاج المكثف يشجع على نشوء ذريات مقاومة
   في بيئة مليئة بالمضادات الحيوية، كوحدات العناية المركزة، والجراثيم التي تنجو وتتكاثر هي فقط الجراثيم المحتوية على جينات تجعلها مقاومة للمضادات الحيوية. في الصورة المكبرة أعلاه، قام الجين KPC بتكويد(5) إنزيم (اللون الأخضر) اندفع بسرعة لمهاجمة دواء الكارباپينيم (اللون البرتقالي) حتى قبل أن يتمكن الدواء من عبور الغلاف الخارجي المزدوج للجرثومة.
   المقاومة تنتشر إلى أنواع جرثومية أخرى
   يوجد جين المقاومة KPC على عرى من الدنا(7) DNA تدعى الپلازميدات plasmids تمتد خارج صبغي الخلية البكتيرية. في أثناء تزاوج البكتيريا، تشكل الخليتان جسرا بينهما يسمح للپلازميد بنقل جيناته من خلية إلى أخرى. إن البكتيريا السلبية الغرام, على وجه الخصوص, متكيّفة لهذا النوع من النقل، مما يمكّن خلايا أخرى لم تُعالج قط بالمضادات الحيوية من التحول إلى جراثيم مقاومة للأدوية. يصبح نمط المقاومة الذي يمنحه الجين KPC أكثر خطورة عندما ينتشر من الكلبسيلا إلى الإشريكية القولونية ومنها إلى الجراثيم الأخرى السلبية الغرام التي تسبب الحالات الشائعة من الإنتانات.

نمط جديد من المقاومة(***)
إن نهاية معجزة المضادات الحيوية ليست موضوعا جديدا. فطالما وجدت مضادات حيوية كانت هناك مقاومة لها، بل إن أول بكتيريا مقاومة للپنسلين ظهرت قبل وصول الپنسلين إلى الأسواق في الأربعينات من القرن الماضي. ومنذ ذلك الوقت تقريبا، أطلق الأطباء صيحات التحذير من عدم فاعلية الأدوية، بدءا بالانتشار العالمي للمتعضيات organisms المقاومة للپنسلين في الخمسينات ثم المقاومة للميثيسلين methicillin في الثمانينات ثم المقاومة للڤانكومايسين vancomycin في التسعينات.
إلا أن التنبؤ بنهاية عصر المضادات الحيوية جاء هذه المرة من جزء مختلف من عالم الميكروبات. إن هذه الجينات التي تنقل المقاومة للكارباپينيم – ليست الجين NDM-1 وحسب، بل هناك مجموعة تختلط فيها العديد من الجينات – ظهرت خلال العقد الماضي تقريبا في مجموعة خاصة من البكتيريا التي تشكل تحديا خاصا وتسمى سلبيات الغرام gram-negative. هذه التسمية تستعير اسم عالم دانمركي عاش في القرن التاسع عشر، وهي تشير بشكل سطحي إلى الاستجابة لصبغة تلوِّن غشاء الخلية، ولكن مضمونها أكثر تعقيدا من ذلك. فالبكتيريا السلبية الغرام تتزاوج مع بعضها من دون تمييز، فهي تتبادل قطع الدنا بسهولة، بحيث إن جين المقاومة الذي ينشأ في الكلبسيلا, على سبيل المثال, يهاجر بسرعة إلى الإشريكية القولونية والأسينيتوباكتر Acinetobacter وغيرهما من أنواع البكتيريا السلبية الغرام. (في المقابل، يُرجح أن تتجمع جينات المقاومة في البكتيريا الإيجابية الغرام gram-positives ضمن النوع نفسه). كذلك يكون القضاء على سلبيات الغرام بالمضادات الحيوية أكثر صعوبة؛ لأنها تتمتع بغلاف مزدوج يصعب حتى على الأدوية القوية أن تخترقه ولديها دفاعات داخل الخلية أيضا. إضافة إلى ذلك، فإن خيارات علاجها أقل من خيارات علاج الجراثيم الأخرى. إذ إن شركات الأدوية في هذه الأيام، تصنع القليل من المضادات الحيوية من أي نوع من الأنواع، ولا تطوِّر أي مركبات جديدة ضد سلبيات الغرام المتغيرة والمستعصية على العلاج. كل ذلك يعني أن هذا المزيج من العوامل يمكن، لسوء الحظ، أن يؤدي بسهولة إلى تصديـر كـارثة من المراكز الطبية إلى المجتمع الأعمّ.
مع عدم وجود أدوية جديدة تستطيع الشركات إيصالها إلى المستهلك وتكون قادرة على القضاء على الجراثيم القوية الأخيرة، قد نضطر إلى العيش مدة طويلة مع إنتانات مزعجة وغير قابلة للعلاج.

إن المقاومة للمضادات الحيوية من صنف الكارباپينيم قد أوصلت الإنتانات من المستشفى، كالكلبسيلا التي أصابت ذلك المريض السويدي، إلى حافة الإنتانات غير القابلة للعلاج. بعد الكارباپينميات، هناك القليل من الأدوية لكن الأطباء يكرهون استخدامها، إما لأنها لا تستطيع الوصول إلى جميع الأماكن الخفية في الجسم التي تتكاثر فيها البكتيريا أو لأنها تصيب المريض بدرجة كبيرة من الإعياء بحيث يصبح استخدامها غير آمن.
لكن، حتى وإن استعصت حالات الإنتانات على العلاج، فإنها تُشخّص عادة لأن المرضى المصابين بها – المسنين والعاجزين عن الحركة والراقدين في وحدة العناية المركزة – يكونون تحت المراقبة الشديدة. فما يطرد النوم من عيون مسؤولي الصحة، هو احتمال أن تنتقل الجينات المقاومة للكارپينيمات من دون أن ترصد إلى خارج المستشفيات وداخل المتعضيات التي تسبب الأمراض اليومية، كالإشريكية القولونية التي تسبب النسبة الأكبر من ملايين حالات إنتان المسالك البولية التي تحدث في الولايات المتحدة كل عام. يعطي <وولش> [مكتشف الجين NDM-1] مثالا عن امرأة تُراجِع طبيب العناية الأولية الخاص بها بما يبدو أنها مصابة بإنتان المثانة غير المصحوب بمضاعفات. وبما أنه لا يوجد سبب يدعو إلى الشك في وجود المقاومة، سيصف الطبيب أدوية لم تعد مؤثرة، في حين سينتشر الإنتان من دون أي عائق باتجاه القسم العلوي من المسالك البولية، ليصيب كليتيها، ثم لينتقل بشكل مدمّر إلى دمها. ويختتم <وولش> قائلا: «ولن يكون هناك أي دواء يمكن علاجها به».

وبائيات
تهديد عالمي(****)
   بعد أربع سنوات من عزل الجين KPC لأول مرة من مستشفى غير محدّد في كارولينا الشمالية، لم يستطع أحد أن يجد دليلا على انتشاره. ولكن عندما سببت البكتيريا الحاملة للجين KPC أوبئة في عدة مستشفيات بمدينة نيويورك، كان ذلك دليلا على بداية الهجوم. انتقلت الجراثيم الصعبة القتل بسرعة إلى فرنسا وكولومبيا وكندا واليونان والصين. أما الوباء في إسرائيل فقد انتقل إلى إنگلترا والنرويج وعدة دول أوروبية.


خسارة معجزة المضادات الحيوية(*****)
إن المعركة القائمة بين البكتيريا والأدوية منذ 83 عاما تقع ما بين ألعاب ضرب الخُلد Whack-a-Mole الترفيهية(8) والاستراتيجية النووية القائمة على التدمير المتبادل المؤكد(9). وفي مقابل كل مضاد حيوي تم صنعه حتى اليوم، طورت البكتيريا عامل مقاومة يحميها من هجوم هذا المضاد. ومقابل كل عامل مقاومة، أنتجت شركات الأدوية دواء أقوى – حتى الآن.
هذه المعركة مالت عبر العقود إلى صالح المتعضيات، مثل نوّاسة(10) ينزاح مركز توازنها ببطء. إن التطور يعمل لصالح البكتيريا؛ فهي تستغرق 20 دقيقة لتنتج جيلا جديدا، أما الدواء فيستغرق تطويره والأبحاث المتعلقة به عقدا أو أكثر. إضافة إلى ذلك، إن أي استخدام – حتى الاستخدام المعقول – للمضادات الحيوية يؤدي إلى نشوء المقاومة من خلال ممارسة ما يسمى بالضغط الانتقائي selective pressure. وعادة ما ينجو بعض البكتيرات المحظوظة بطفرات mutations عشوائية من هجوم المضاد الحيوي، ثم تتكاثر مالئة المكان الحيوي الذي أخلته المضادات الحيوية بقتل أخواتها السريعة التأثر، وتمرر هذه الجينات التي ستحميها للأجيال التالية. (لذلك، من المهم تناول دورة المضادات الحيوية بشكل كامل: لقتل جميع البكتيريا المسببة للإنتان وليس فقط السريعة التأثر). ولكن المقاومة لا تنتقل بالوراثة فقط. وتستطيع البكتيريا اكتساب المقاومة من خلال تبادل قطع من الدنا، حتى من دون التعرض للدواء الذي تقوم الجينات بالحماية منه.

التحكم في الإنتان
پروتوكول دقيق(******)
   غالبا ما يحمل العاملون في المجال الصحي البكتيريا المقاومة من دون أن يدروا بذلك. أُجبرت المستشفيات التي سيطرت على الإنتان المقاوم للكارباپينيمات على تطبيق إجراءات صارمة للنظافة والترصّد.

   تعرّفْ
   لتجنب دخول أي حالة دون اكتشافها تستخدم المستشفيات في فرنسا المسحات المأخوذة من المستقيم لفحص المرضى الجدد الذين لديهم تاريخ إصابة سابقة بإنتان مقاوم لعدة أدوية.

   عقّمْ
   على الأطباء والممرضات أن يقوموا بشكل منتظم بغسل أيديهم وارتداء القفازات. يتم تنظيف المرضى بالمعقمات كل يوم. تُعقم كل الأسطح في غرفهم بما في ذلك لوحات أزرار الحاسوب.

   راجعْ
   تُفحص العينات المخبرية باستمرار وتُعدّل إجراءات التحكم في الإنتان إلى أن يتم التخلص من الجراثيم المقاومة لعدة أدوية.


يمكنك رؤية هذا النمط من المقاومة التي تتفوق على أدوية سبق لها أن تفوقت على المقاومة في تطور المكورات العنقودية الذهبية (الستيفلوكوكس أورس) Staphylococcus aureus، وهي متعض إيجابي الغرام (ذو غشاء أحادي الطبقة): في البداية أصبحت غير متأثرة بالپنسيلين ثم بالپنسيلينات المصنعة – بما فيها الميثيسلين ولذلك اكتسبت اسم المكورات العنقودية الذهبية المقاومة للميثيسلين(11) MRSA - ثم بالسيفالوسپورينات cephalosporins كالكيفليكس Keflex، ثم بالڤانكومايسين vancomycin، وهو خط الدفاع الأخير ضد المكورات MRSA. اتبعت سلبيات الغرام نمطا مشابها، فقد أبطلت تأثير الپنسيلينات ثم السيفالوسپورينات ثم الماكروليدات macrolides (إريثروميسين erythromycin وآزيثروميسين azithromycin أو زيثروماكس Zithromax) واللينكوزاميدات lincosamides (ڤانكوميسين vancomycine). ولكن إلى وقت قريب جدا، كان باستطاعة الكارپينيمات أن تقضي بشكل آمن وموثوق به على الإنتانات الأكثر استدامة(12) persistent، مما جعلها الملاذ الأخير ضد البكتيريا السلبية الغرام، أي الحاجز الأخير بين الإنتانات القابلة للعلاج وتلك غير القابلة للعلاج. كانت الكارپينيمات غير مكلفة، ويمكن الاعتماد عليها، وذات طيف واسع أي إنها تعمل ضد الكثير من المتعضيات، كما كانت قوية جدا جدا.
قد نتمكن من إيجاد مخرج من هذه المعضلة بابتكار نوع جديد من المضادات الحيوية - على الأقل حتى تتمكن البكتيريا من مقاومته مرة أخرى. ولكن مع عدم وجود أدوية جديدة تستطيع الشركات إيصالها إلى المستهلك خلال 10 سنوات وتكون قادرة على القضاء على الجراثيم القوية الأخيرة، قد نضطر إلى العيش مع مخاطر أنواع عديدة من الإنتانات غير القابلة للعلاج ولفترة طويلة إلى حدٍّ مزعج.
«من الصعب اكتشاف مركبات جديدة تعمل ضد سلبيات الغرام من غيـر أن تكون سامـة للبشر»، هـذا مـا يقوله <D. شاليس> [طبيب ومستشار في تطوير الأدوية](13). ويقول: «عندما تفكر في الموضوع، فإن ما تحاول فعله بالمضاد الحيوي هو محاولة قتل شيء يعيش في داخلنا من دون أن يسبب ذلك الأذى لنا، إنه تحدٍّ». إن الدواء الأحدث الذي رُخِّص له لعلاج الإنتانات التي تسببها سلبيات الغرام هو دوريپينيم doripenem، هو كارپينيم، وقد تمت الموافقة عليه من قبل إدارة الغذاء والدواء(14) في عام 2007.
سيكون الوضع خطيرا حتى وإن اقتصر فقط على المئات من الحالات التي أظهرت الجين NDM-1 حتى الآن. ولكن في السنوات الخمس الأخيرة انتقل بسرعة عبر العالم جين آخر يحمل مقاومة مشابهة ويدعى الجين KPC اختصارا لكارباپينيميز الكلبسيلا نوموني (الكلبسيلة الرئوية) Klebsiella pneumoniae carbapenemase. ويبدو أنه يتبع النمط الذي اتبعته المتعضيات المقاومة للپنسلين في الخمسينات والمكورات MRSA في التسعينات: بدأ أولا كوباء بين مرضى المستشفيات سريعي التأثر ثم الانتشار في المجتمع على نطاق أوسع.
كشف تهديد خفي(*******)
عندما نشر <وولش> و <جيسك> نتائج أبحاثهما عن الجين NDM-1 في مجلة لانست للأمراض الإنتانية في صيف عام 2010، أثار مقالهما رعبا عالميا على الفور، واتخذ مسؤولو الصحة في الهند موقفا هجوميا، متهمين الأطباء الغربيين بأنهم يحاولون - بدافع الحسد - التقليل من شأن صناعة السياحة الصحية التي راجت في الهند بشكل كبير.
لم يُثر الاكتشاف الأول للجين KPC ضجيجا مماثلا. لقد ظهر بهدوء في واحدة من مئات العينات البكتيرية التي جمعت عام 1996 من المستشفيات في 18 ولاية أمريكية. كان المشروع الذي طلب هذه العينات، وسمي آيكير (ICARE)مشروع وبائيات المقاومة للمضادات الحيوية في العناية المركزة(15)، جهدا مشتركا بين مراكز الوقاية من الأمراض والتحكم فيها بأتلانتا(16) وجامعة إيموري المجاورة. كان هدف هذا البرنامج رَصْدُ الطريقة التي تستخدم بها المضادات الحيوية في وحدات العناية المركزة وأقسام المستشفيات الأخرى، أملا برصد المكان الذي قد ينشأ عنه المتعضي التالي المقاوم للأدوية.
لقد تبين أن إحدى الجراثيم المعزولة من عينة مرسلة من مستشفى في كارولينا الشمالية لم يُعلن عن اسمه، هي الكلبسيلا. لم يكن ذلك أمرا غير مألوف. إنها إنتان شائعة في المستشفيات، ويكاد يكون عاقبة لا يمكن تجنبها للعلاج في العناية المركزة؛ إذ يؤدي استخدام كميات كبيرة من المضادات الحيوية الواسعة الطيف إلى الإخلال بإيكولوجيا الجهاز الهضمي ويسبب الإسهال، الذي يلوث البيئة المحيطة بالمرضى وأيدي عاملي الرعاية الصحية الذين يعالجونهم. يقول <A. سرينيڤاسان> [المدير المساعد في مراكز التحكم في الأمراض(17) (CDC’s) والمسؤول عن برامج الوقاية من الأمراض التي تشارك فيها مراكز الرعاية الصحية]: «عندما تفكر في مريض يرقد في وحدة العناية المركزة، تحت تأثير المسكنات، وموضوع على جهاز التهوية الرئوية ventilator، فهو لا يستطيع النهوض والذهاب إلى المرحاض»، ويقول أيضا: «إذا كان المرضى مصابين بالسلس البولي، فيجب على فريق الرعاية الصحية أن ينظفهم. وهناك الكثير من المعدات القريبة من المريض والكثير من الأسطح التي يمكن أن تتلوث.»
إذا لم تكن الإصابة بالكلبسيلا في وحدة العناية المركزة أمرا مفاجئا، فإن نتائج تحليلها كانت مفاجئة. وكما كان متوقعا، كانت العينة القادمة من كارولينا الشمالية مقاومة لقائمة طويلة من المضادات الحيوية بما فيها الپنسيلين وبعض الأدوية الأخرى القريبة منه. ولكن العينة كانت مقاومة أيضا لنوعين من الكارباپينيمات – إيميپينيم imipenem وميروپينيم meropenem – والتي كانت الكلبسيلا تستجيب لها دائما. لم تكن العينة مقاومة بشكل كامل، ولكن نتائج الاختبار في المركز CDC بينت الحاجة إلى كميات كبيرة على نحو استثنائي من الكارباپينيمات لمعالجة أي إنتان تسببه هذه البكتيريا. إن الإنزيم الذي يمنح هذه المقاومة يهاجم أدوية الكارباپينيم حتى قبل أن تتمكن من عبور الغشاء الداخلي لجدار البكتيريا.
لم يرَ أحدٌ من قبل طراز مقاومة يشبه الجين KPC. لقد جعلت مهمة المختصين بالوبائيات صعبة – وكأنهم يسمعون بصعوبة صوت إنذار بعيد. يقول <B .J. پاتل> [نائب مدير مكتب مقاومة المضادات الحيوية التابع للمراكز CDC’s]: «كان نوعا جديدا من المقاومة، ولكن عندما تعزل عينة واحدة، لا تعرف إلى أي حد ستكون شائعة», ويقول أيضا: «منذ فترة طويلة لم نعثر على عينات من هذا النوع.»
تفشي المرض في نيويورك(********)
ظلت عينة الكلبسيلا القادمة من كارولينا الشمالية مصادفة مثيرة للقلق. وفي منتصف عام 2000 بدأ المرضى في أربع وحدات للعناية المركزة في مستشفى تيش(18)، وهي جزء من مركز لانگون الطبي التابع لجامعة نيويورك(19) على الجانب الشرقي من مانهاتن، يصابون بإنتانات قوية وغير معتادة سببها الكلبسيلا وكانت مقاومة تقريبا لكل أصناف الأدوية التي يرغب أطباء العناية المركزة في استخدامها. كانت المرة الأولى التي يرى فيها أطباء جامعة نيويورك إنتانات مقاومة للكارباپينيمات. أصيب أربعة عشر مريضا بذات رئة وإنتانات جراحية وإنتانات دموية شديدة المقاومة للأدوية، في حين كان هناك عشرة مرضى يحملون الجرثومة الحاملة للجين KPC من دون أن تظهر عليهم أي أعراض. توفي ثمانية من المرضى الأربعة والعشرين. وقد اكتشفت المستشفى بالتحليل أن سلالة الكلبسيلا التي أصيب بها هؤلاء المرضى تحمل الجين KPC ذاته الذي اكتُشف في العينة الأصلية القادمة من كارولينا الشمالية.
وسرعان ما ستتعلم المستشفى أيضا صعوبة احتواء الميكروب المقاوم. وبسبب عدم فعالية الكثير من الأدوية، كان الخيار الوحيد هو تعزيز الأسلوب القديم في التشديد على النظافة، للتأكد من أن البكتيريا المقاومة لا تنتقل عبر أيدي العاملين في الرعاية الصحية من دون علمهم. وضع مركز لانگون الطبي المرضى في العزل، وطلب إلى الأشخاص الذين يدخلون إلى غرفهم أن يرتدوا الكمامات والقفازات. وقد راقبوا عن كثب غسل الأيدي باستخدام المعقمات، وعندما وجدوا أن هذه الإجراءات غير كافية، غيروا حلول النظافة المستخدمة في وحدات العناية المركزة. وعندما استمرت الإنتانات ركزوا على رعاية المرضى المصابين، ووجدوا أن بعضا منهم ممن كانوا مصابين بالتهاب المسالك البولية كانوا يلوّثون البيئة والعاملين في الرعاية الصحية أثناء تغيير أكياس جمع البول. لقد استغرقت السيطرة على الوباء نحو عام.
بعد عامين ظهرت الجراثيم نفسها ذات المقاومة العالية في مستشفيات بروكلين، مما عزّز الاقتناع بصعوبة السيطرة على جرثومة الكلبسيلا الحاملة للجين KPC. وقد اكتشف أحد المستشفيات مريضين مصابين بالإنتان في الشهر 8/2003، فوضعهم في العزل، وقام مباشرة بتعزيز إجراءات التحكم في الإنتانات، ومع ذلك كان لديه في نهاية الشهر 2004/2 ثلاثون مريضا مصابا بها. أحد هؤلاء المرضى تم تشخيص إصابته في الشهر 12/2003، ومريضان آخران شُخصت إصابتهما في الشهر 2/2004 و24 مريضا شُخّصت إصابتهم في نهاية الشهر 5، كل هؤلاء أصيبوا داخل المستشفى على الرغم من الجهود الجبارة التي بُذلت لوقف انتشار الميكروب.
لقد ظهرت البكتيريا الحاملة للجين KPC في مستشفى هارلم حيث سببت سبع حالات إنتانات دموية في ربيع عام 2005؛ ولم ينجُ منها إلا مريضان. كما ظهرت في مركز جبل سيناء الطبي في الجزء الشرقي الشمالي من نيويورك، حيث بدأ الباحثون بفحص جميع المرضى المقبولين في وحدات العناية المركزة الثلاث أملا بالسيطرة على الوباء المنتشر بسرعة. لقد ساعد ما وجدوه على اكتشاف السبب الذي جعل من البكتيريا مشكلة عويصة؛ إذ كان 2% من مرضى أقسام العناية المركزة يحملون السلالة المقاومة من دون أن يظهروا أعراضا لكنهم كانوا يعرّضون الآخرين لخطر الإصابة بالإنتان.
لقد أصبحت مستشفيات نيويورك مرتعا لتكاثر الجراثيم المقاومة، وهو ما أكدته الأرقام الصادرة عن الهيئات الاتحادية. وفي عام 2007، فإن نسبة 21% من عينات الكلبسيلا التي جُمعت من مدينة نيويورك كانت تحمل الجين KPC، مقارنة بنسبة 5% من العينات التي جُمعت من بقية أنحاء البلاد. وفي عام 2008 ذكر أحد مستشفيات نيويورك أن معدّل الإصابات بالجرثومة الحاملة للجين KPC ارتفع لديها بنسبة 38%.
بالتعريف، يعاني المرضى الراقدون في وحدات العناية المركّزة أمراضا شديدة: رضوضاً، سرطانا، قصورا في أجهزة الجسم الرئيسية، بحيث تكون أسباب وفاتهم معقّدة ويصعب تحديد سبب واحد. ولكن في حالات محددة أصيب فيها المرضى بالجرثومة الحاملة للجين KPC، لم يكن هناك شك في سبب الوفاة، كما يقول <J. كويل> [وهو أستاذ مساعد في الطب بمركز داونستيت الطبي (DSC) في بروكلين] وقد عالج بعض الحالات الأولى في نيويورك: «من الواضح أن هناك حالات فَشِلَ فيها العلاج على الرغم من جميع الجهود التي بُذلت»، ويضيف: «والمريض مات».
انتشار عالمي(*********)
انتشرت الكلبسيلا الحاملة للجين KPC انطلاقا من نيويورك. في البداية وجِدتْ في الأماكن التي غالبا ما يسافر سكان نيويورك منها وإليها - نيو جيرسي، أريزونا، فلوريدا – ثم وجدت في أماكن أبعد.
لا تُعتبر المقاومة للكارباپينيمات من الأمراض التي يجب التبليغ عنها، أي إنها ليست من الأمراض التي يجب على المختبرات الطبية أن تبلّغ السلطات الصحية العامة عندما تقوم بتشخيصها. لذلك، فإن مدى انتشار الجين KPC غير معروف. ومع ذلك، في عام 2009 اكتشف نصف عدد مستشفيات شيكاغو الجين KPC في بعض مرضاها على الأقل. وبعد عام ارتفعت نسبة مستشفيات شيكاغو التي ذكرت وجود الجين KPC إلى 65%. وفي نهاية عام 2010 كانت البكتيريا الحاملة للجين KPC قد أصابت مرضى المستشفيات في 37 ولاية. وعندما بدأ المركز CDC بمتابعة الجرثومة، اكتشف المسؤولون أن المستشفيات لم تكن مستعدة لوصوله. يقول <پاتل>: «رأينا ولعدة مرات أن العينة التي أُرسلت إلينا لم تكن الإصابة الأولى في المستشفى، وعندما راجعوا البيانات الموجودة لديهم، وجدوا حالات سابقة، ولكن هذه الحالات لم تلفت انتباه أحد.»
في الشهر 2/2005 طلب رجل في الثمانين من عمره مصاب بسرطان الپروستات منذ 5 أعوام، علاجا إسعافيا في مستشفى مجاور للمكان الذي يقطن فيه في باريس، وبعد أن تمّ قبوله في المستشفى اكتشف الأطباء أنه أحضر معه الكلبسيلا الحاملة للجين KPC من عملية جراحية أجراها في مدينة نيويورك قبل عدة أشهر. وكان ذلك أول انتقال معروف للجين KPC من الولايات المتحدة إلى بلد آخر، لكنه لم يكن الأخير. وبعد فترة قصيرة وجدت المتعضيات الحاملة للجين KPC في كولومبيا وكندا والصين واليونان. وسببت وباء لـ45 مريضا في مستشفى تل أبيب وانتقلت من خلال المرضى والعاملين في الرعاية الصحية إلى إنگلترا والنرويج والسويد وبولندا وفنلندا والبرازيل وإيطاليا.
ماذا بعد؟(**********)
ينظر مسؤولو الصحة الآن إلى الانتشار العالمي لمقاومة الكارباپينيمات – من الجين KPC إلى الجين NDM-1 وغيرهما من الجينات – على أنه «حدث صحي عام يثير قلق العالم»، كما وصفته منظمة الصحة العالمية في الشهر 11/2010 (لقد جعلت هذه المنظمة «المقاومة ضد المضادات الحيوية وانتشارها العالمي» موضوعها في يوم الصحة العالمي الذي تعقده سنويا بتاريخ 7/4). وسَبَبُ هذا الإعلان هو أنه لا يمكن فعل الكثير لإيقاف المتعضيات المقاومة للكارباپينيمات: فالقليل فقط من المضادات الحيوية ما زال يعمل ضدّها، وما زالت الأدوية بعيدة عن الفعالية.
ما زال معظم هذه الإنتانات يستجيب للتيگيسايكلين tigecycline، والكوليستين colistin وهو دواء عمره عدة عقود. كان التيگيسايكلين الذي أُطلق عام 2005 أول دواء من صنف جديد من المضادات الحيوية سمّي گلاسيلسين glycylcylines؛ لأن البكتيريا لم تعهد آلية عمله من قبل فإنها ستكون بطيئة في تطوير مقاومة ضده. ولكن التيگيسايكلين لا ينتشر بشكل جيد عبر الدم أو في المثانة، مما يجعله غير فعال في الإنتانات الدموية أو التهاب المسالك البولية التي يسببها الجينان KPC و NDM-1. (كما أن إدارة الغذاء والدواء في عام 2010 أضافت إلى التحذيرات الخاصة بالتيگيسايكلين أن بعض المرضى المصابين بالإنتانات الحادة يواجهون زيادة غير مبررة في خطر الموت). في المقابل، ينتمي الكوليستين إلى صنف محدود من الأدوية يُدعى الپوليميكسين polymyxins يعود إلى الأربعينات من القرن العشرين، ولديه مشكلاته الخاصة به: إضافة إلى سمعته القديمة بإيذاء الكليتين، فهو لا يخترق الأنسجة بشكل جيد. هذه المشكلات منعت استخدامه على نطاق واسع لعدة عقود، وربما هذا ما جعله يحافظ على فعاليته طوال هذه المدة – أمّا وقد ازداد استخدامه في السنوات الأخيرة، فإن المقاومة ضده ازدادت أيضا.
ما عدا التيگيسايكلين والكوليستين، تقريبا لا توجد لدينا أدوية أخرى. ما بين عامي 1998 و 2008 وافقت إدارة الغذاء والدواء على 13 مضادا حيويا جديدا، ثلاثة منها فقط تعمل بآليات جديدة لا تمتلك البكتيريا مقاومة ضدها. وفي عام 2009 كثّفت جمعية الأمراض الإنتانية في أمريكا (IDSA) جهود الأبحاث حول مضادات حيوية جديدة. ومن بين مئات طلبات الموافقة على أدوية جديدة التي تقدّم كل عام إلى إدارة الغذاء والدواء، كان هناك 16 مضادا حيويا في مراحل مختلفة من التطوير. ثمانية من هذه المضادات كانت موجهة إلى علاج البكتيريا السلبية الغرام, ولكن عدد المضادات الحيوية التي يمكن استخدامها ضد سلبيات الغرام ذات المقاومة العالية كالبكتيريا الحاملة لجيني KPC و NDM-1 بلغ الصفر.
هذه الإحصائيات توضّح القضية: من دون أن تصرّح بذلك بشكل واضح، قررت معظم شركات الأدوية أنه من الصعوبة بمكان تطوير الأدوية التي تعالج الإنتانات المقاومة للكارباپينيم، كما أنها ستستخدم لفترة قصيرة قبل أن تتطور المقاومة ضدها، مما يجعلها لا تستحق الوقت المبذول في البحث عنها وتطويرها. يقول <وولش>: «وصلنا الآن إلى مرحلة نحتاج فيها إلى البدء الجدي باستثمار الكثير من المال في تطوير مركبات جديدة لم نرها من قبل، والأهم من ذلك، لم ترها البكتيريا من قبل. ونحن لا نحتاج إلى مركب أو اثنين، نحن بحاجة إلى عدد يتراوح بين 10 إلى 20».
لقد أجبر الوباء الآخذ بالتوسع المستشفيات على إعادة تقييم فعالية إجراءات التحكم في الإنتان التي تتبعها. تقول المؤسسات التي استطاعت لَجْمَ البكتيريا إن الجهد المبذول يتطلب تركيزا شديدا. وتتضمن هذه البروتوكولات غسل المرضى بالمعقمات كل يوم وتنظيف الأسطح في غرف المرضى وصولا إلى أصغر الوصلات والزوايا في أجهزة المراقبة والحاسوب بمعدل مرة كل 12 ساعة. يقول <M. فيليپس> الذي يرأس التحكم في الإنتان في مركز لانگون الطبي، أحد الأماكن التي تعرضت للوباء في نيويورك: «أشعر بالقلق إزاء تعقيم الأسطح. إنها الأماكن التي عادة ما تفشل المستشفيات في تعقيمها». لقد ساعد <فيليپس> على استحداث مشروع «فريق التنظيف» الذي يجمع بين خبراء التحكم في الإنتان وعمال خدمات المباني في المستشفى؛ حيث خفّض هذا الفريق عدد الإنتانات المكتسبة في مراكز الرعاية الصحية في الشهور الستة الأولى من عمله.
يظهر أحدث تقارير الجين KPC إلى أي مدى يجب أن يكون العاملون في مراكز الرعاية الصحية حريصين على النظافة. في عام 2010 أصيب 28 مريضا في مستشفيين فرنسيين بالكلبسيلا المقاومة بفعل منظار الجهاز الهضمي، وهو مجهز بألياف بصرية مرنة، يتم إدخاله عبر الحلق إلى الجهاز الهضمي. ظن المستشفيان أنهما عقّما أدواتهما، ولكن الجين KPC نجا من التعقيم.
تعزز فرق الرعاية الطبية عمليات الرصد أملا بتحديد المرضى الحاملين للجرثومة بحيث يمكن عزلهم قبل أن يعدوا الآخرين. فرنسا، على سبيل المثال، أدخلت فحصا إجباريا باستخدام مسحات من المستقيم لكل مرضى المستشفيات الذين أدخلوا المستشفى في دول أخرى بسبب الإصابة بإنتان مقاومة لعدة أدوية وذلك في اليوم الأول من دخولهم إلى أي مستشفى فرنسي. «في المستشفى الذي أعمل فيه، كان لدينا مريض منقول من المغرب، حامل للجرثومة المقاومة للكارپينيمات»، هذا ما يقوله <P. نوردمان> [رئيس قسمَيْ البكتيريا والڤيروسات في مستشفى پيستر بباريس] الذي عالج أول حالة مصابة بالجين KPC عام 2005، ويقول: «عزلنا المريض، وأطلقنا جرس الإنذار، وتجنبنا الوباء».
في عام 2009 نشر المركز CDC إرشادات موسّعة لمساعدة المستشفيات على التحكم في البكتيريا المقاومة للكارباپينيمات. على كل حال، لم توصِ الوكالة باتباع الاستراتيجية الفرنسية القاضية باختبار كل مريض قبل قبوله في المستشفى، قائلة إن البكتيريا لم تنتشر بعد في كل البلاد إلى الحد الذي يبرر التكلفة والوقت الذي تستغرقه هذه العملية.
إن إبقاء المتعضيات المقاومة للكارباپينيمات خارج المستشفيات ليس مهما فقط للتحكم في الوباء بين المرضى المقعدين وحسب، بل هو ضروري أيضا لمنع انتشارها إلى عاملي الرعاية الصحية. يظن >كويل< وغيره ممن وثّقوا تحرك الجين KPC عبر نيويورك أنه من المحتمل أن هذه الجراثيم انتقلت بواسطة الأطباء والممرضات والموظفين الذين يعملون في عدة مؤسسات ممن حملوا الجراثيم من دون علمهم. كما أنه من المهم أكثر منع البكتيريا الحاملة للجين KPC من مشاركة جيناتها المقاومة مع أنواع أخرى من البكتيريا، مثل الإشريكية القولونية الموجودة في المستشفيات والمنتشرة خارجها أيضا. مثل هذه الإشريكية القولونية المقوّاة بالجين KPC قد تتسرب من المستشفى بحيث تصبح خارج نطاق أي رصد.
حصل هذا التسرب، في حالة واحدة على الأقل. وفي عام 2008 عالج الأطباء رجلا مسنّا جاء إلى مستشفاهم في حالة مرض شديد من دون أن يوجد لديه ما يشير إلى وجود مقاومة للكارباپينيم. وخلال شهر تحرك الجين KPC من الإنتان التي سببته الكلبسيلا إلى الإشريكية القولونية المقيمة في أمعاء الرجل، فأوجد بذلك سلالة مقاومة جدا لكنها كانت ما تزال تستجيب لجرعات عالية من المضادات الحيوية. وهذا الانتقال للجينات حدث في المستشفى تحت الضغط التطوري evolutionary pressure للأدوية التي كان المريض يتلقاها. ولكن في الشهر 1 من عام 2011 سجل الباحثون في هونغ كونغ حدوث انتقال للجينات في العالم الخارجي أيضا. وأحد المرضى الذين راجعوا عيادة محلية خارجية كان يحمل بشكل صامت الإشريكية القولونية الحاملة للجين NDM-1. ولم تشر السجلات إلى أن ذلك الرجل دخل المستشفى من قبل.
وبالنظر إلى المستقبل، يرى الباحثون أن سلالات مقاومة من البكتيريا السلبية الغرام سوف تظهر قبل فترة طويلة من تطوير الأدوية القادرة على علاجها. ولا يحتاج البعض إلى تخيل ذلك وهو يحدث، فهم يرونه حقيقة على أرض الواقع. فقبل ثلاثة أعوام عالج الأطباء في مستشفى سانت ڤنسنت(20) بمانهاتن مريضين مصابين بالكلبسيلا التي كانت مقاومة لذخيرة هذه المستشفى من الأدوية. وأحد المريضين نجا، والآخر توفّي. وقد كتبوا في مجلة طبية «إنه لأمر نادر لطبيب في العالم المتطور أن يموت مريضه بإنتان شديد لا يوجد خيارات لعلاجه.» فما لم يتباطأ تطور البكتيريا أو يتسارع تطوير الأدوية، فإن مثل هذه الحالات قد تصبح شائعة جدا.

المؤلفة

  Maryn McKenna
<ماكينا> صحفية مستقلة في مجال العلوم ومدوِّنة على موقع (Wired): كتبت تقارير من مناطق تفشي الأمراض في معظم القارات. وألَّفت كتاب (الجرثومة الخارقة: التهديد القاتل للعنقوديات الذهبية(21) المقاومة للميثيسلين) (free press, 2010) وكتاب (هزيمة الشيطان: على الخطوط الأمامية مع مكتشفي الأمراض في برنامج الاستخبارات الخاصة بالوبائيات) (free press, 2004).



  مراجع للاستزادة

Carbapenem-Resistant Enterobacteriaceae: A Potential Threat. M. J. Schwaber and Y. Carmeli in Journal of the American Medical Association, Vol. 300, No. 24, pages 2911-2913; December 24, 2008

The Spread of Klebsiella pneumonia Carbapenemases: A Tale of Strains, Plasmids, and Transposons. L. S. Munoz-Price and J. P. Quinn in Clinical Infectious Diseases, Vol. 49, No. 11, pages 1736-1738; December 1, 2009. http://cid.oxfordjornals.org

Does Broud-Spectrum Beta-Lactam Resistence Due to NDM-1 Herald the End of the Antibiotic Era for Treatment of Infections Caused by Gram-Negative Bacteria? P. Nordmann et al. in Journal of Antimicrobial Therapy. Published online January 28, 2001


(*)THE ENEMY WITHIN العنوان الأصلي: عدو بداخلنا
(**)Resistance Roulette
(***)A NEW PATTERN OF RESISTANCE
(****)Global Threat
(*****)LOSING THE ANTIBIOTIC MIRACLE
(******)Exacting Protocol
(*******)UNCOVERING A HIDDEN THREAT
(********)OUTBREAK IN NEW YORK
(*********)GLOBAL SPREAD
(**********)WHAT NEXT?

(1) infection: إنتان أو عدوى.
(2) carbapenems: أحد أنواع المضادات الحيوية.
(3) New Delhi metallo-beta-lactamase
(4) الروليت: لعبة روسية يتم فيها وضع رصاصة في طاحونة المسدس وتدويرها بشكل عشوائي، ومن ثم إطلاق الزناد مع توجيه المسدس إلى الرأس.
(5) تكويد: إدخال الكودات الجينية للإنزيم في صبغي الجرثوم مما يؤدي إلى إنتاج هذا الإنزيم.
(6) الدورة العلاجية: الجرعات الدوائية التي تعطى للمريض خلال فترة محددة.
(7) هو المادة الوراثية التي تحمل الجينات التي تحدد صفات الكائن الحي. (التحرير)
(8) Whack-a-Mole: لعبة تحتوي على ثقوب تخرج منها مجسمات بلاستيكية لحيوان الخلد. ويكون اللعب بإعادة الحيوان إلى الثقب بضربه بمطرقة بلاستيكية، وكلما أعدت مزيدا من الحيوانات حصلت على درجة أعلى (تُشبِّه الكاتبة إعادة الخلد إلى الثقب بصناعة أدوية جديدة تقضي على الجراثيم الجديدة المقاومة للأدوية القديمة).
(9) النواسة :لعبة مكونة من لوح خشبي يرتكز على محور موجود في منتصفه ويجلس الطفلان على طرفيه ويتناوبان الصعود والهبوط (في العامي الشامي: أَبينو جعّيصو).
(10) MRSA: Methicillin Resistant Staphylococcus Aureus
(11) الاستدامة: المقاومة للأدوية.
(12) مؤلف كتاب المضادات الحيوية: العاصفة الكاملة (منشورات سپرينگر، 2010).
(13) the Food and Drug Administration
(14) Project Intensive Care Antimicrobial Resistance Epidemiology
(15) the Atlanta-based Centers for Disease Control and Prevention
(16) the Control Disease Centers
(17) TISCH HOSPITAL
(18) new york University’s Langone Medical Center
 (19) النواسة :لعبة مكونة من لوح خشبي يرتكز على محور موجود في منتصفه ويجلس الطفلان على طرفيه ويتناوبان الصعود والهبوط (في العامي الشامي: أَبينو جعّيصو).
(20) St. Vincent’s Hospital
(21) بكتيريا ستيفيلوكوكس أوريوس Staphylococus aureus المقاومة للميثسيلين (MRSA)نMethicillin-resistant Staphylococus aureus.









ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق